دراسة الفقدان الغامض في السياق السوري
لاتزال قضية الإخفاء القسري أحد أعقد القضايا وأكثرها إيلاماً على السوريين وذلك مع استمرار الجهات المتحكمة في ممارسة هذه الجريمة، وما يخلفه الفقدان الغامض من أثار على الأهالي وأحباب المختفين قسريا. الفقدان الغامض هو حالة من الغياب الفيزيائي أو النفسي لأحد أفراد الأسرة دون وجود نهاية واضحة أو معرفة لمصيره، مما يسبب صدمة نفسية معقدة وغموضاً يصعب التعايش معه. (بوس، 1999)
وعلى الرغم من سقوط النظام السوري برئاسة بشار الأسد في الثامن من ديسمبر عام 2024، فإن آثار هذه الجريمة ما تزال مستمرة على عشرات الآلاف من العائلات في سورية. ففي أحدث تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان عن الإخفاء القسري في سورية بعنوان ” في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب: معلومات جديدة تكشف وفاة الآلاف من المختفين قسراً داخل مراكز احتجاز النظام السوري السابق، ترفع حصيلة ضحايا التعذيب إلى 45,342 شخصاً” (في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب: معلومات جديدة تكشف وفاة الآلاف من المختفين قسراً داخل مراكز احتجاز النظام السوري السابق، ترفع حصيلة ضحايا التعذيب إلى 45,342 شخصاً | الشبكة السورية لحقوق الإنسان, n.d.) أوردت مايلي:
“وتُظهر بيانات الشَّبكة أيضاً أنَّ ما لا يقل عن 181,244 شخصاً، من بينهم 5,332 طفلاً و9,201 سيدة، لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز احتجاز تتبع لجهات مختلفة داخل سورية منذ آذار/مارس 2011 وحتى حزيران/يونيو 2025. ومن بين هؤلاء، يُصنّف ما لا يقل عن 177,021 شخصاً، منهم 4,536 طفلاً و8,984 سيدة، كمختفين قسراً. وتؤكد الإحصاءات أنَّ الغالبية العظمى اعتقلوا على خلفية مشاركتهم في الحراك الشعبي، وقد احتُجزوا تعسفياً دون أي إجراءات قانونية أو قضائية نزيهة.”
كما ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بعنوان : “سورية: عائلات “المخفيين قسرًا” تستحق إجابات” (سوريا, 2022)أن الصراع السوري اتسم بممارسات الاحتجاز التعسفي المطوّل والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والاختفاء القسري المرتكبة من قبل أطراف متعددة انخرطت في النزاع.
تم إجراء دراسة “الفقدان الغامض في السياق السوري” بشكل وصفي تحليلي مستخدمين منهجية كمية ونوعية، بالاعتماد على مصادر معلومات متعددة وأدوات جمع معلومات متنوعة (استبيان، مقابلات فردية مع الأفراد والناشطين والشخصيات المفتاحية، ومجموعات النقاش المركز)
واعتمدت الدراسة على أساس علمي ونظري من مراجع أساسية على سبيل المثال ”الفقدان والصدمات والمرونة: العمل العلاجي مع الفقدان الغامض.” وغيره، كما استكشفت ثقافة المجتمع السوري، وخصوصية قضية الاختفاء القسري والفقد الغامض في السياق السوري، مما يتوقع أن يسهم في فهم القضية وآثارها بشكل علمي و توفير منهج تدريبي عملي وحساس ثقافيا و قابلاً للتطبيق في السياق السوري.
يتوقع أن يساهم هذا البحث في سد فجوة معرفية تتعلق بالفقدان الغامض وأثاره على الأصعدة الفردية والنفسية والاجتماعية وغيرها، ويتوقع أن يوفر هذا الجهد أساساً نظرياً ومعرفياً وعملياً، للأهالي وأصحاب المصلحة والحكومة السورية ومؤسساتها والروابط والناشطين والعاملين الانسانيين، للتعامل بحساسية مع هذه القضية ومن اختبرها، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للأهالي، وبما يفتح مجالا للمناصرة وتحصيل مزيد من الحقوق لجميع المتضررين من الإخفاء القسري في سورية والذين يتوقع أن تكون أعدادهم مالايقل عن 180 ألف عائلة في سورية.
تـــم إعـــداد هـــذه الوثيقـــة بمنحـــة ماليـــة مقدمـــة مـــن قبـــل الاتحاد الأوربي. محتويـــات هـــذه الوثيقـــة هـــي مســـؤولية المركـــز الســـوري للإعلام وحريـــة التعبيـــر بالكامـــل ولا يمكـــن فـــي أي حــال مــن الأحوال اعتبارهــا تعكــس موقــف الاتحــاد الأوربي. وتعكــس هــذه الوثيقــة حصــراً آراء الباحثيــن المختصيــن الذيــن أعــّدوا الدراســة بتعاقــد مــع المركــز الســوري للإعلام وحريــة التعبيـــر، ولا تعبـّــر بالضـــرورة عـــن الموقـــف الرســـمي للمركـــز.




