باريس 24 شباط/ فبراير 2021
بعد عقود من الممارسة الممنهجة للتعذيب من قبل الأجهزة الأمنية السورية، وبعد عشر سنوات من انطلاق الثورة السورية وتصاعد العنف الممارس من قبل الأجهزة الأمنية السورية وغيرها، تصدر المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز وفي جلستها المنعقدة في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير 2021، أول حكم إدانة في جرائم التعذيب في سوريا ضد إياد .غ الذي أدين بالتواطؤ لارتكاب جرائم ضد الإنسانية من خلال التعذيب والحرمان المشدد من الحرية، وتضمن القرار الحكم على أياد غ بالسجن لمدة أربع سنوات وستة أشهر، حكماً قابلاً للاستئناف.
كافح الضحايا والناجون في هذه القضية لخلق ما لم يسبق له مثيل، ولأول مرة يحُكم على ضد عنصر سابق في أحد الأجهزة الأمنية السورية بالتواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية على شكل تعذيب وحرمان مشدد من الحرية، نحتفل بهذه المعركة الطويلة التي ما هي إلا مجرد بداية والتي ستؤدي في النهاية إلى الاعتراف بمعاناة الشعب السوري الطويلة وإرساء السلام في سوريا. ومن خلال التصميم تمكنوا خلال بضع سنوات فقط أن يحققو سابقة ما لم يكن لأحد أن يتخيل إمكانية حدوثها، ولا يسعنا هنا إلا أن نعيد تأكيد دعمنا لما سيأتي بعد ذلك.
كانت محاكمة أياد.غ وأنور.ر قد انطلقت في الرابع والعشرين من نيسان/ أبريل 2020، إثر اعتقال السلطات الأمنية لهما بناء على شكاوى تقدم بها ممثلون عن ضحايا تعذيب وإخفاء قسري في الفرع 251/ الخطيب التابع لجهاز أمن الدولة في سوريا، كان هذا ممكناً بفضل الشهادات التي أدلى بها الشهود والعمل الطويل والدؤوب الذي بذلته مجموعة من المنظمات الغير حكومية الأوربية والسورية في تسهيل وصول المحكمة لشهادات الشهود والأدلة والمعلومات حول سلسلة القيادة والرتب وحول بنية الأجهزة الأمنية السورية وتاريخها في التضييق على العمل السياسي والمدني وقمع الحريات.
عددت المحكمة الأدلة عرضت عليها أثناء المحاكمة ومنها صور قيصر وكان لرئيسة المحكمة تعليق شخصي على تلك الصور حيث قالت “أنا لن أنسى هذه الصور”، واستندت المحكمة في قرارها على أقوال المتهم والتي أدلى بها أمام الشرطة الجنائية.
بعد صدور العديد من مذكرات التوقيف بحق ضباط رفيعي المستوى ضمن الأجهزة الأمنية السورية، وبعد جهود طويلة في ملاحقة مجرمي الحرب من خلال المسار الوحيد المتاح وهو الاختصاص القضائي العالمي، يأتي أول حكم قضائي على أحد المتورطين في جرائم التعذيب في سوريا كبارقة أمل للضحايا والناجين والعاملين في المجال الحقوقي في سوريا، حيث يشكل هذا الحكم خطوة مهمة جداً في محاربة الإفلات من العقاب والوصول إلى العدالة ومحاكمة المجرمين، كما يشكل دافعاً كبيراً للعاملين في المؤسسات الحقوقية للاستمرار في عملهم في توثيق الجرائم، ويبقى كل ذلك تقدماً صغيراً في طريق طويل لمحاكمة مرتكبي الجرائم في سوريا من كل الأطراف. هذا اليوم مهم لأنه لم يكن ليحدث من دون إصرار الضحايا والناجين على السعي لتحقيق العدالة، وهو يفتح الطريق أمام الكثيرين لمواصلة سعيهم حتى يتم إصدار أحكام أكثر واقعية ومنهجية تُمكن من تصور مستقبل حقيقي لسوريا.
يقول مازن درويش: “إن الحكم الصادر اليوم في محكمة كوبلنز ليس مجرد لائحة اتهام للمتهم إياد، إنما هو لائحة اتهام قضائية لجميع الأجهزة الأمنية في سوريا وجميع الانتهاكات التي ارتكبتها. وما هذه إلا مجرد البداية.”
إن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير يؤكد على أهمية هذا الحكم في تاريخ العدالة في سوريا، وعلى أن ذلك كان ممكناً بفضل شجاعة الضحايا والناجين، وتعاون الشهود والمنظمات غير الحكومية، للسلطات. كما يشدد على ضرورة توسيع صلاحيات الأجهزة القضائية ذات الاختصاص العالمي، وعلى ضرورة بذل جهود دولية أكثر وضوحاً نحو آليات دولية لتقديم جميع مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا من جميع الأطراف إلى العدالة.