قصة وشم…(نبوءة مهاجر)

15/12/2025

في الثالث من كانون الثاني/يناير عام 2022، ودّع أخي محمد زوجتَه وطفلَه الصغير، وانطلق في رحلته الأخيرة نحو أوروبا  رحلةٍ كان يأمل أن تكون بوابته إلى الأمان، لكنها تحولت إلى طريقٍ بلا عودة

كان يفترض أن تستغرق الرحلة أياماً قليلة، لكننا فقدنا أثره في اليوم نفسه.

كان محمد يعيش في الجزائر منذ عام 2017. تزوّج من فتاةٍ جزائرية وأنجب طفلاً، وكان يحلم أن يمنحه مستقبلاً أفضل من الذي ناله. لكن الحياة هناك كانت تضيق يوماً بعد يوم، حتى قرر أخيراً أن يخوض مغامرته الكبرى — أن يهاجر عبر البحر.

انطلق من وهران على متن قاربٍ صغير يضم اثني عشر شخصاً من السوريين والجزائريين.

لم يكن في الرحلة ما يوحي بأنها ستكون الأخيرة.

لكن بعد ساعاتٍ فقط من الإبحار، انقطعت الأخبار.

لا اتصالات، لا إشارات، لا أثر.

مرت الأيام ثم بدأت تصلنا الأخبار المفزعة: القارب غرق.

عُثر على أربع جثث فقط من ركابه، ولم يكن محمد بينهم.

منذ ذلك اليوم بدأت رحلتي أنا، رحلة البحث عنه في كل مكان.

تواصلت مع منظمات الإنقاذ الإسبانية، ومع الصليب الأحمر، والشرطة، وحتى مع رجلٍ غامض ادّعى أنه يمتلك صورًا للجثث مقابل المال.

لكن لا إجابة.

لم أجد اسمه في أي سجل، لا في المستشفيات، ولا في السجون، ولا بين الموتى.

وكأن البحر ابتلع اسمه قبل جسده.

أتذكر تفاصيل جسده كما لو أني أراها الآن.

على قدمه اليمنى وشم يحمل اسم فتاة بالعربية،

وعلى ساعده الأيمن وشم على شكل نبض قلب،

أما على كتفه الأيسر فكان وشم لطائرٍ تحته كلمة “مهاجر” — وكأنها كانت نبوءته المكتوبة على جلده.

أحياناً أتمسك بخيطٍ رفيع من الأمل، أتخيله حيّاً في مكانٍ ما، وأحيانًا أخرى أستسلم للفكرة بأن البحر خبّأه في أعماقه، بعيداً عنّا

لكن أكثر ما يؤلمني أني لا أعرف إلى أين أنظر حين أقول: “رحمك الله يا محمد”

15/12/2025
المركز السوري للإعلام وحرية التعبير Syrian Center for Media and Freedom of Expression
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.