عاشت محافظة حمص خلال أشهر تموز/ آب /أيلول، على وقع تحول في أنماط العنف الذي تعاني منه، ففي الوقت الذي كانت ترزح فيه تحت حوادث إطلاق النار العشوائي، والاعتداءات المتكررة على المدنيين-ات، بدأت تتنامى أعمال العنف ذات الطابع الشخصي و الانتقامي وإن بقي العامل الطائفي عنصراً مشتركاً في كلا الحالتين. ولا يكاد يمرّ يومٌ دون تسجيل واقعة جديدة تؤكد هشاشة الوضع الأمني، وسط غياب فعلي لسلطة القانون وضعف واضح في إجراءات الردع والمساءلة.
تم إعداد هذا التقرير من قبل مجموعة سين للسلم الأهلي بالتعاون مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وهو يهدف هذا التقرير إلى رصد وتحليل أبرز أنماط العنف المسجّلة في مدينة حمص وريفها، إضافة إلى الريف القريب في المحافظات المجاورة خلال أشهر تموز/يوليو، آب/أغسطس، وأيلول/سبتمبر 2025. وقد شمل التقرير بعض الوقائع في الريف القريب نظراً لما كان لها من أثر على المحافظة نتيجة الروابط و الوشائج الاجتماعية والعائلية والطائفية الوثيقة، ما يجعل ديناميات العنف متداخلة وممتدة عبر الحدود الإدارية للمحافظة.
تميزت هذه الفترة بتحوّلٍ واضح في طبيعة العنف؛ إذ تصاعد العنف ذو الطابع الثأري والشخصي بشكل لافت، في مقابل تراجعٍ نسبي للعنف ذي الطابع الأهلي أو الجماعي في مدينة حمص، مع بقاء البعد الطائفي عنصراً بنيوياً مؤثراً في توجيه التوترات المحلية وإدامة شعور عام بعدم الأمان. ويؤكد تتبّع الوقائع الميدانية أن هذه التحولات يعكس تكيّفًا مرحليًا هشًّا مع واقعٍ مضطربٍ لا يزال محكومًا بالبنى العميقة للصراع.
في الوقت نفسه، يظهر التقرير أن التصوّر السائد بتحسن الأوضاع الأمنية في حمص لا يعكس الواقع، بل هو أقرب إلى “وهم جماعي” تشكّل عبر ثلاث آليات مترابطة:
- الخوف الذي يدفع قطاعات واسعة من السكان إلى الصمت والانكفاء. خصوصا وأن الأطراف المشتركة في العنف أو المتواطئة معه لا تزال مسيطرة في المناطق المستهدفة.
- التعوّد على أخبار العنف حتى فقدت وقعها الصادم.
- انشغال الفضاء العام بأحداث أمنية وسياسية أخرى.
وعلى الرغم من تسجيل بعض التحسن النسبي في مناطق محددة، لا تزال بؤر عديدة في المدينة وريفها تشهد فوضى أمنية وانتهاكات متكرّرة، وفق ثلاث أنماط، هي:
- إطلاق النار العشوائي من قبل مسلحين على دراجات نارية، خصوصًا في أحياء كرم اللوز وكرم الزيتون وحي النازحين – و في أرياف حمص و حماه. ذات الغالبية العلوية.
- إلقاء القنابل بشكل متعمد أو عبثي لبثّ الرعب في صفوف الأهالي ودفعهم إلى النزوح.
- الاستهدافات الانتقامية التي تعكس ضعف آليات الضبط وانهيار الثقة بالسلطات المحلية.
تشير هذه المؤشرات إلى أن الوضع في حمص ما زال قابلاً للانفجار في أي لحظة، وأن قصور الإجراءات الأمنية وغياب المحاسبة الجادة يكرّسان بيئةً خصبةً لإعادة إنتاج العنف وعلاقات الهيمنة وتطبيعهما، بما يحمله ذلك من تهديد مباشر للسلم الأهلي وأمن المدنيين.
يستند التقرير إلى معطيات ميدانية كمية ونوعية جُمعت عبر شبكة من المراقبين المحليين وشهود العيان، وستُعرض تفاصيلها في قسم المنهجية، يليها تحليل إحصائي معمّق للوقائع الموثقة خلال فترة الرصد، بهدف تقديم صورة دقيقة لتطوّر العنف واتجاهاته في محافظة حمص.
أُعِدَّ هذا التقرير بدعمٍ من مركز الأزمات والدعم التابع لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية.
Ce rapport a été réalisé avec la participation du Centre de crise et de soutien du Ministère de l’Europe et des Affaires étrangères.




