بيان حول تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية
المركز السوري للإعلام وحرية التعبير
باريس, 14 آب /أغسطس 2025
يرحب المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (المركز) بالتقرير الأخير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية (اللجنة)، بعنوان “الانتهاكات ضد المدنيين في الساحل السوري ووسط غرب سوريا خلال الفترة من كانون الثاني/يناير إلى آذار/مارس 2025”.
يرى المركز أن التقرير قدّم تناولاً موضوعياً ومتوازناً للانتهاكات، حيث وثّق بوضوح انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، التي قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب، مبرزاً مسؤوليات اطراف متعددة، بما في ذلك مقاتلون موالون للحكومة السابقة وأفراد من قوات الحكومة المؤقتة، إضافة إلى أفراد مدنيين. هذا النهج الحيادي يعزز مصداقية النتائج ويجعل منها أداة أساسية لتعزيز المساءلة وحماية المدنيين وضمان عدم تكرار الانتهاكات.كما يثمّن المركز سماح السلطات السورية للجنة بالوصول إلى داخل سوريا، في سابقة هي الأولى من نوعها تمكّنت خلالها اللجنة من إجراء تحقيقاتها من داخل البلاد، وهو ما يُعد خطوة إيجابية نحو تعزيز التعاون الفعّال مع آليات التحقيق الدولية وتحقيق العدالة والحد من الإفلات من العقاب وضمان حقوق الضحايا.
يتفق المركز مع ما خلصت إليه اللجنة من أن الانتهاكات التي وقعت في أوائل عام 2025، بما في ذلك أحداث شهر آذار/مارس 2025، لم تحدث بمعزل عن السياق العام، بل جاءت على خلفية سنوات من الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع وخاصة النظام السابق منذ عام 2011، والتي سبقتها عقود من القمع والانتهاكات في ظل الحكومات المتعاقبة. ويؤكد المركز أن هذه الأحداث هي نتيجة مباشرة لهذا الإرث المزمن من الإفلات من العقاب والانتهاكات الممنهجة، الأمر الذي يجعل معالجتها عبر آليات المساءلة وضمانات عدم التكرار ضرورة ملحّة، ولذلك يجب أن تكون ضمانات عدم التكرار في صميم عملية العدالة الانتقالية في سوريا، ليس فقط باعتبارها التزاماً قانونياً بل كركيزة أساسية لتحقيق السلام والمصالحة وبناء مستقبل قائم على الحقوق والكرامة.
ويرى المركز أن توصيات اللجنة تمثل خارطة طريق عملية وواضحة لمعالجة جذور الانتهاكات ووضع حد لدائرة العنف والإفلات من العقاب في سوريا. نرحّب بهذه التوصيات ونتبنّى جوهرها باعتبارها خطوة أساسية لا غنى عنها لضمان محاسبة الجناة دون أي تمييز أو اعتبارات للرتبة أو الانتماء، والشروع في إصلاحات هيكلية تعيد الاعتبار لسيادة القانون وتُرسِّخ ضمانات عدم التكرار. تنفيذ هذه الخطوات بصورة عاجلة سيشكّل عاملاً حاسماً في حماية المدنيين والمدنيات واستعادة الثقة وفتح الطريق نحو سلام دائم.
بناءً عليه، يدعو المركز السوري للإعلام وحرية التعبير الحكومة السورية الانتقالية إلى:
- تنفيذ توصيات لجنة التحقيق بالكامل ودون تأخير وبشفافية تامة، باعتبار ذلك خطوة أساسية لإنهاء الإفلات من العقاب ومنع تكرار الانتهاكات مثل تلك التي ارتكبت مؤخراً في السويداء.
- إيقاف جميع الأفراد المشتبه بتورطهم في انتهاكات جسيمة، بما في ذلك من يشغلون مواقع قيادية في الأمن العام ووزارة الدفاع، عن العمل مؤقتاً بانتظار تحقيقات جنائية سريعة وشاملة ومستقلة وشفافة حول الانتهاكات المزعومة. وتقديم من يثبت تورطه منهم لمحاكمات علنية شفافة تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة.
- التعجيل ببدء مسار عدالة انتقالية شفاف وشامل، بما يضمن كشف الحقيقة وتحقيق المساءلة وجبر الضرر ووضع ضمانات عدم التكرار.
- إجراء إصلاحات هيكلية حقيقية وشفافة لإنهاء دوائر الانتهاكات وبناء سلام دائم لجميع السوريين والسوريات، بما في ذلك إصلاح وتنظيم الأجهزة الأمنية والجيش من خلال:
- ضمان التعريف الواضح بهوية جميع عناصر الأمن والجيش.
- فرض تدريب منتظم وإلزامي على القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقوانين السورية ذات الصلة.
- حظر تشكيل أو تشغيل أي مجموعات مسلحة خارج إطار السلطة الشرعية للدولة.
في النهاية، لا بد من التأكيد على أن الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها السويداء، بما في ذلك الإعدامات خارج نطاق القانون، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وتدمير الممتلكات المدنية والتهجير القسري، وغيرها من الانتهاكات، تشكل ضرورة ملحة لتنفيذ توصيات اللجنة دون تأخير وبشفافية تامة. وإن التعجيل ببدء مسار العدالة الانتقالية والأخذ بعين الاعتبار توصيات اللجنة وتنفيدها بشفافية، خطوة أساسية لضمان المساءلة وجبر الضرر للضحايا ومنع تكرار الانتهاكات في مناطق أخرى وإرساء أسس السلام والعدالة المستدامين في سوريا.