أسئلة وأجوبةحول جلسة استماع أمام محكمة النقض (المحكمة العليا الفرنسية) 4 تموز/ يوليو 2025

أسئلة وأجوبة
حول جلسة استماع أمام محكمة النقض (المحكمة العليا الفرنسية)
4 تموز/ يوليو 2025

بخصوص قانونية مذكرة التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد في قضية الأسلحة الكيميائية
(مسألة الحصانة الشخصية)

يقدم هذا المستند معلومات تفصيلية حول الجلسة المقبلة أمام محكمة النقض الفرنسية، حيث ستستمع هيئة القضاة إلى مرافعات حول ما إذا كان الرئيس السوري السابق بشار الأسد يجب أن يتمتع بحصانة قانونية من الملاحقة القضائية لدوره المزعوم في هجمات الأسلحة الكيميائية التي وقعت في آب/أغسطس 2013 على عدرا ودوما والغوطة في سوريا.

بإيجاز:

  • تُعد هذه الجلسة لحظة مفصلية للناجين وعائلات ضحايا الأسلحة الكيميائية في سوريا، وربما تشكل علامة بارزة على طريق تحقيق العدالة عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين السوريين.
  • ستُعقد الجلسة أمام الهيئة العامة لمحكمة النقض الفرنسية، وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد، في خطوة تمثل مستوى قضائيًا رفيعًا لمراجعة مبدأ الحصانة أمام الجرائم الدولية، وهي مسألة تحظى باهتمام عالمي كبير.
  • يمكن حضور الجلسة شخصيًا، كما سيتم نشر تسجيل مصور لها على الإنترنت لاحقا.
  1. ما هي قضية الأسلحة الكيميائية؟

في آذار/ مارس 2021، تقدم ناجون ومنظمات غير حكومية بشكوى جنائية في فرنسا تدعو السلطات إلى التحقيق في هجمات غاز السارين التي استهدفت عدرا ودوما والغوطة في سوريا في آب/ أغسطس 2013، باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

استجابت “الوحدة المتخصصة للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب” التابعة لمحكمة باريس القضائية، وفتحت تحقيقًا رسميًا في هذه الهجمات في نيسان/ أبريل 2021.

يتولى اثنين من قضاة التحقيق (juges d’instruction) النظر في مسؤولية الحكومة السورية السابقة عن استخدام الأسلحة الكيميائية خلال النزاع، في إطار نمط من الهجمات المتعمدة والمنهجية والواسعة النطاق ضد المدنيين في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، مثل مدينة دوما والغوطة الشرقية – حيث وقعت تلك الهجمات.

في 5 آب/ أغسطس 2013، يُعتقد أن الحكومة السورية استهدفت بلدتي عدرا ودوما في الضواحي الشرقية للعاصمة دمشق. أُطلقت أسلحة كيميائية، يُرجح أنها غازات عصبية من نوع السارين، على عدرا عند حوالي الساعة 1:00 صباحاً، تلاها هجوم على دوما عند حوالي الساعة 5:00 صباحاً. لجأ المدنيون في دوما إلى أسطح المباني لتجنب استنشاق الغازات الثقيلة التي تبقى قريبة من الأرض. أفاد الناجون والأطباء بأن المرضى عانوا من صعوبات في التنفس واختناق شديد. امتلأت المستشفيات في دوما بسرعة بالضحايا. تسبب الهجوم بإصابة أكثر من /400/ شخص، بينهم العديد من النساء والأطفال. كانت هذه الهجمات حينها الأكبر من نوعها في سوريا، ومقدمة للهجوم الأوسع الذي وقع لاحقًا في الغوطة الشرقية.

في الساعات الأولى من صباح يوم 21 آب/ أغسطس 2013، أُطلقت أكثر من عشرة صواريخ كيميائية محمّلة بغاز السارين على أحياء عين ترما وزملكا في الغوطة الشرقية قرب دمشق. أثناء محاولتهم الهروب إلى الأسطح، تعرّض المدنيون لقصف مدفعي دفعهم للفرار إلى الأقبية، حيث تسبب التعرض للسارين بوفاة عدد كبير من النساء والأطفال والرجال. أُصيب عمال الإغاثة والأطقم الطبية أثناء إنقاذهم للضحايا، واستُهدفت المرافق الطبية في نفس التوقيت، مما أعاق الاستجابة الطارئة. خلفت هذه الهجمات أكثر من ألف قتيل وآلاف الإصابات الخطيرة، ويُعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية الأكثر دموية في النزاع السوري، وقد أُدين بشكل واسع على الصعيد الدولي.

  1. ما هي الأسلحة الكيميائية، وكيف تورطت الحكومة السورية السابقة؟

تعرف اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة (اتفاقية الأسلحة الكيميائية)، التي دخلت حيز التنفيذ في نيسان/ أبريل 1997، الأسلحة الكيميائية على أنها “المواد الكيميائية السامة وسلائفها والذخائر والأجهزة المصممة لإحداث الموت أو غيره من الضرر من خلال الخصائص السامة لهذه المواد الكيمائية”.

غاز السارين – المادة الكيميائية المستخدمة في هجمات أغسطس/آب 2013 التي هي محور هذه القضية – مصنّف كمادة كيميائية مدرجة في الجدول 1 من اتفاقية الأسلحة الكيميائية، والتي تشمل المواد الكيميائية التي لها استخدامات قليلة (إن وجدت) خارج نطاق الحرب الكيميائية. السارين عامل عصبي (غاز أعصاب) قاتل مخصص لاستهداف السكان المدنيين.

أقرت الحكومة السورية السابقة بامتلاكها برنامجاً للأسلحة الكيميائية في تموز/ يوليو 2012. وقد انضمت إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في تشرين الأول/أكتوبر 2013، تحت ضغط دبلوماسي بعد هجمات الغوطة الشرقية.

يقع “مركز الدراسات والبحوث العلمية” في صلب برنامج الأسلحة الكيميائية السوري، وهو المسؤول عن تطوير وإنتاج الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية وذخائرها ووسائل إطلاقها.

كانت “بعثة الأمم المتحدة للتحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا”، التي أنشأها الأمين العام للأمم المتحدة في 21 آذار/ مارس 2013، موجودة في البلاد وقت وقوع الهجمات، وقد جمعت عينات من مواقع متعددة وخلصت إلى وجود “أدلة واضحة ومقنعة” على استخدام غاز السارين في هجوم الغوطة في آب/ أغسطس 2013.

عقب تلك الهجمات وانضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، تبنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إجراءات لتفكيك برنامج الأسلحة الكيماوية السوري، وصادق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على ذلك بموجب القرار 2118 في العام نفسه، إلا أن السلطات السورية لم تنفذ الالتزامات المطلوبة.

وقد خلصت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (JIM) –التي أنشئت عام 2015– في عدة تقارير لها بمسؤولية الحكومة السورية عن استخدام الكلور والسارين في هجمات مختلفة خلال فترة النزاع.

وفي وقت لاحق، توصلت التحقيقات التي أجراها فريق التحقيق المستقل (IIT) التابع لـ منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أن مسؤولين سوريين محددين كانوا متورطين في الهجمات بالسارين عام 2017، وأن تركيبة السارين المستخدم في هجوم الغوطة والهجمات اللاحقة متطابقة، وتحمل نفس البصمات الكيميائية ما يدل على أن مصدرها واحد وهو من منشآت إنتاج تابعة للحكومة السورية.

  1. ما هو الوضع القانوني الحالي للقضية؟

بعد تقديم الشكوى وانضمام أطراف مدنية، تم فتح تحقيق رسمي في نيسان/ أبريل 2021 تبعه تعيين قاضيين للتحقيق.

تم تطوير الشكوى الأصلية والأدلة الداعمة من قبل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، والأرشيف السوري (برنامج تابع لمنظمة “Mnemonic” غير الحكومية)، بالإضافة إلى مبادرة عدالة المجتمع المفتوح، والتي انضمت إلى التحقيق بالإضافة إلى ضحايا أفراد كأطراف مدنية، كما أنضمت كل من منظمة المدافعون عن الحقوق المدنية (CRD) ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان” (PHR) كأطراف مدنية.

تم جمع عشرات الشهادات من ضحايا وذويهم، وشهود على الهجمات، إلى جانب شهادات خبراء. جمعت كذلك مئات الأدلة الوثائقية، والتي تشمل تقارير استخباراتية رُفعت عنها السرّية، ومساهمات من منظمات دولية، وتحليل لمعلومات من مصادر مفتوحة، وكذلك عدد من الصور ومقاطع الفيديو التي تدعم المسؤولية المفترضة للحكومة السورية في تنفيذ هذه الهجمات.

ينص القانون الفرنسي على أنه يجوز إصدار مذكرة توقيف إذا كانت هناك “أدلة جدية أو ثابتة” تدل على احتمال تورط هذا الشخص في ارتكاب الجريمة، علاوة على ذلك، يجب أن يكون الشخص هارباً أو مقيماً خارج فرنسا ومتهماً بجريمة يعاقب عليها بالسجن.

استنادًا إلى حجم وتفاصيل الأدلة، قرر قضاة التحقيق أن هناك أدلة جدية أو مؤيدة ترجح أن الأشخاص التالية أسماؤهم قد شاركوا في التخطيط لهذه الهجمات وفي تنفيذها، ويتحملون المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم:

  • بشار الأسد – رئيس الجمهورية العربية السورية آنذاك.
  • ماهر الأسد – القائد الفعلي للفرقة الرابعة المدرعة في الجيش السوري.
  • العميد غسان عباس – مدير الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري آنذاك.
  • اللواء بسام الحسن –  مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية السورية آنذاك.

لذلك قرر قضاة التحقيق أن الرد المناسب لـ شكوى الضحايا والأدلة المقدمة هو إصدار مذكرات توقيف دولية بحق الأفراد الذين تم تحديد هويتهم بتهم التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. في النظام القضائي الفرنسي، تعني مذكرة التوقيف أمراً قضائياً موجهاً قوات إنفاذ القانون بالبحث والعثور عن الشخص المذكور وجلبه للمثول أمام قاضي التحقيق. وقد نشرت مذكرات التوقيف هذه على المستويين الأوروبي والدولي عبر الـ إنتربول والـ يوروبول.

  1. لماذا ستُعقد جلسة استماع أمام الهيئة العامة لمحكمة النقض (المحكمة العليا الفرنسية) في 4 تموز/ يوليو 2025؟

بعد صدور مذكرات التوقيف في باريس بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 2023، قدّم مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب (PNAT) طعناً وأحال القضية إلى غرفة التحقيق في محكمة استئناف باريس، مطالباً بإلغاء مذكرة التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد.

4.1الإجراءات أمام محكمة الاستئناف

ذكر مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب (PNAT) لوكالة الأنباء الفرنسية “فرانس برس” أن مذكرة التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد “لا تتوافق مع التحليل القانوني لمكتب المدعي العام بشأن الحصانة الشخصية (ratione personae) التي يتمتع بها رؤساء الدول”.

عقب جلسة استماع مغلقة أمام غرفة التحقيق، أكدت محكمة الاستئناف في باريس في قرار تاريخي صدر في 26 حزيران/ يونيو 2024 صلاحية وسريان مفعول مذكرة التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد. جاء في القرار:

“نظراً لأنه من الواضح أن سوريا لن تقوم بملاحقة بشار الأسد على هذه الجرائم، وأنها لن تتنازل عن الحصانة الشخصية لرئيسها، ونظراً لعدم وجود محكمة دولية ذات اختصاص -كون سوريا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي-  فلا بد من القول إن مذكرة التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد لا يشوبها أي بطلان.”

رأت المحكمة أن الحصانة الشخصية محدودة، بسبب طبيعة الجرائم المرتكبة (جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب) وسلوك الرئيس نفسه آنذاك. وبشكل أكثر تحديداً وجدت المحكمة إلى أنه نظراً للمسؤولية الواضحة لـ بشار الأسد عن الهجمات الكيميائية ضد شعبه في آب/ أغسطس 2013، لم يتصرف الأسد كرئيس دولة، وبالتالي لا يحق له التذرع بالحصانة الشخصية.

علاوة على ذلك، أكد قرار المحكمة أن المجتمع الدولي أقر بقيم العدالة والإنسانية كأولوية تتجاوز الحصانة الشخصية، وأن الإفلات من العقاب لا يمكن أن يستند إلى صفة سياسية. كما أشارت المحكمة إلى أن مجلس الأمن التابع الأمم المتحدة دعا إلى محاسبة المسؤولين عن الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا، دون الإشارة إلى أي نوع من الحصانات التي يمكن أن تمنع الملاحقة القضائية.

4.2 الإحالة إلى محكمة النقض

بعد صدور قرار محكمة الاستئناف، أعلن مكتب المدعي العام في 2 تموز/ يوليو 2024 أنه أحال القضية إلى محكمة النقض – أعلى هيئة قضائية في فرنسا – موضحاً أنه:

“من الضروري أن يتم النظر في الموقف الذي اتخذته غرفة التحقيق في محكمة الاستئناف في باريس، بشأن مسألة الحصانة الشخصية لرئيس دولة “على رأس عمله” أثناء ملاحقته على مثل هذه الجرائم، من قبل أعلى هيئة قضائية في فرنسا  .”

ستعقد محكمة النقض جلسة عامة في 4 تموز/ يوليو 2025 للنظر في القضية.

وتظل السلطات الفرنسية ملتزمة بتنفيذ مذكرات التوقيف ونشرها، حتى أثناء سير الإجراءات أمام محكمة النقض.

  1. لماذا تُعقد الجلسة أمام الهيئة العامة لمحكمة النقض؟

تتكوّن الهيئة العامة لمحكمة النقض من 19 قاضياً، بمن فيهم رؤساء الأقسام الستة في المحكمة. لا تُعقد هذه الهيئة إلا بطلب من رئيس إحدى الغرف عند وجود قضية معقّدة أو حساسة، أو عندما قد يؤدي القرار إلى تغيير في الاجتهاد القضائي القائم والسوابق القضائية المعمول بها. تحمل قرارات الهيئة وزناً أكبر ضمن النظام القضائي الفرنسي، في هذه الحالة، قد تُشكل سابقة قانونية في مسألة الحصانات أمام الجرائم الدولية.

5.1 ما نطاق جلسة 4 تموز/يوليو 2025؟

ستنظر جلسة 4 تموز/يوليو 2025 في قضيتين:

  1. مدى قانونية مذكرة التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد، وانطباق الحصانة الشخصية.
  2. قضية أديب ميالة (المعروف في فرنسا باسم أندريه ميارد)، الحاكم السابق لمصرف سوريا المركزي، والنظر في الحصانة الوظيفية في سياق الجرائم الدولية.

الحصانات الشخصية والوظيفية للمسؤولين الحكوميين وممثلي الدول هي مسألة ممارسة ولا تحكمها أي اتفاقية دولية، باستثناء الحصانات الدبلوماسية والقنصلية، ويُعرَف ما يلي:

  • الحصانة الشخصية (ratione personae): تحمي بعض كبار مسؤولي الدول -مثل رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية- من أي ملاحقات أو إجراءات قانونية (مدنية أو جنائية) في المحاكم الأجنبية أو الدولية أثناء توليهم مناصبهم.
  • الحصانة الوظيفية (ratione materiae): تنطبق على جميع مسؤولي الدول عن الأفعال التي يقومون بها أو ارتُكبت بصفتهم الرسمية، مما يحميهم من الملاحقة القضائية حتى بعد مغادرتهم مناصبهم.

إن الفقه القانوني بشأن الجرائم التي تُستثنى من الحصانات آخذ في التطور في القانون الدولي.

لذا يعود للمحاكم الوطنية (الولايات القضائية المحلية) – كمصدر للقانون الدولي العرفي – أن تساهم في وضع القواعد. على مدى أكثر من عشرين عاماً، شهد الاجتهاد القضائي (السوابق القضائية) الدولي والوطني تطوراً متزايداً في اتجاه استبعاد الحصانة عن الجرائم الأشد خطورة مثل الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، تطبيقًا لمبدأ المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم الدولية في القانون الدولي.

علاوةً على ذلك، يُعتبر استخدام الأسلحة الكيميائية محظوراً بشكل مطلق بموجب القانون الدولي، ويُصنف ضمن الجرائم التي لا يمكن التذرع بالحَصانة عنها، بصرف النظر عن الصفة السياسية (ويُعرف هذا المبدأ في المصطلحات القانونية بـ “الحظر القطعي/المطلق” أو كما يعرف باللاتينية jus cogens أي الأحكام الآمرة).

بالتالي، سيحدد قرار محكمة النقض نطاق الحصانة الشخصية، وما إذا كان بشار الأسد يمكنه الاستفادة منها. ومن المحتمل أن يشكل القرار خطوة مفصلية في مسار المساءلة عن الجرائم الأشد خطورة، وخطوة كبيرة وانتصاراً مهماً لضحايا الهجمات الكيماوية.

وستُركّز جلسة الجمعية العامة على الإجابة عن الأسئلة القانونية التالية، من خلال قضيتين منفصلتين يتم الاستماع إليهما في نفس اليوم:

في قضية بشار الأسد (الحصانة الشخصية):

  • متى يُمكن تقييم الحصانة الشخصية التي يتمتع بها رئيس دولة، والتي تحول دون ملاحقته ومقاضاته أمام محاكم دول أجنبية؟
  • هل يمكن رفع هذه الحصانة في حال كانت الأفعال المزعومة تشكّل جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب؟

في قضية أديب ميالة (الحصانة الوظيفية):

  • هل يمكن إسقاط الحصانة الوظيفية عند ارتكاب أفعال تشكل جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب؟

5.2 ما هي قضية أديب ميالة (أندريه ميارد)؟

أديب ميالة، وهو مواطن فرنسي-سوري، وُجّهت إليه بتاريخ 20 كانون الأول/ ديسمبر 2022 لائحة اتهام تتضمن التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، غسل عائدات جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، والمشاركة في مجموعة شكلت للتخطيط لارتكاب جرائم ضد الإنسانية. طعن ميالة في قرار الاتهام، متذرعاً بأنه يتمتع بالحصانة الوظيفية عن الأفعال التي ارتكبها في إطار مهامه الرسمية.

بتاريخ 5 حزيران/يونيو 2024 حكمت غرفة التحقيق في محكمة الاستئناف برفض الطعن معتبرة أن الجرائم الدولية لا يمكن أن يشملها مبدأ الحصانة، ولا يمكن أن السماح لمرتكبيها بالإفلات من العقاب.

وقد أحال أديب ميالة هذا القرار إلى محكمة النقض.

ملاحظة: في أيار/ مايو 2024، وُضع أديب ميالة تحت صفة “شاهد مساعد”.

5.3 ما أثر سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024 على القضية؟

في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، انهارت حكومة بشار الأسد، وفر الرئيس السوري السابق من البلاد بعد أكثر من عقد من القمع العنيف والدموي بحق الشعب السوري، وأكثر من نصف قرن من حكم عائلة الأسد.

وبسقوطه من السلطة، لم يعد يتمتع بحصانة رؤساء الدول، وهي الحصانة التي سبق أن اعتبر مكتب المدعي العام الفرنسي أنها تُبطل مذكرة التوقيف الصادرة بحقه. لذلك، يُمكن اعتبار الطعن المقدم إلى محكمة النقض غير ذي موضوع من الناحية القانونية.

ومع ذلك، أبقى مكتب النيابة العامة على الطعن قائماً، مما يعني أن الجلسة ستُعقد وسيتم البتّ في المسألة مبدئياً.

  1. كيف يمكن حضور الجلسة؟

ستُعقد الجلسة في 4 تموز/ يوليو 2025 في محكمة النقض بباريس، ابتداءً من الساعة 9:30 صباحاً. الجلسة علنية ويمكن لأي شخص حضورها.

سيُتم بث تسجيل للجلسة على الإنترنت بدءاً من الساعة 14:00 على موقع محكمة النقض.

أما الحضور الشخصي داخل القاعة فكان يتطلب تسجيلًا مسبقًا، وقد أُغلق باب التسجيل. ويُنصح المسجلين بالحضور قبل 45 دقيقة من الموعد (على العنوان: 8 boulevard du Palais, 75001 Paris).

  1. متى ستصدر محكمة النقض قرارها؟

من المقرر أن تصدر محكمة النقض قرارها في 25 تموز/ يوليو 2025.

  1. هل يمكن الطعن في قرار محكمة النقض؟

كلا. محكمة النقض هي أعلى جهة قضائية في فرنسا، ولا يمكن الطعن في قراراتها أمام أي جهة قضائية فرنسية أخرى.

  1. إذا تم تأكيد مذكرة التوقيف الدولية، هل يمكن أن تؤدي إلى محاكمة بشار الأسد في فرنسا؟

نعم. إذا تم توقيف بشار الأسد أو المشتبه بهم الآخرين داخل الأراضي الفرنسية، أو في حال تسليمهم من قبل دولة أجنبية، فقد تتم محاكمتهم في فرنسا.

ينص القانون الفرنسي على أنه إذا كان الشخص الصادرة بحقه مذكرة توقيف مقيماً خارج البلاد ولا يمكن القبض عليه، فيمكن أن يُحال إلى المحاكمة غيابياً، إذا ارتأت المحكمة أن ذلك يصب في مصلحة العدالة، وأنه قد تم إبلاغ المتهمين بالإجراءات ورفضوا المثول أمام المحكمة.

وفي حال صدور إدانة غيابية، يحق للمتهمين الاعتراض (الطعن في الأدلة) والمطالبة بمحاكمة جديدة.

  1. هل مذكرة التوقيف الثانية الصادرة في فرنسا بحق بشار الأسد مرتبطة بهذه القضية؟

في 21 كانون الثاني/ يناير 2025 – بعد فرار بشار الأسد من سوريا – أصدر قاضيا تحقيق فرنسيين من الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة لمحكمة باريس مذكرة توقيف جديدة تتهمه بالتواطؤ في ارتكاب جرائم حرب.

تتعلق التهم بهجوم بتاريخ 7 حزيران/ يونيو 2017، حيث استهدفت قوات الحكومة السورية السابقة الجزء الجنوبي من مدينة درعا ببراميل متفجرة ألقيت من مروحيات، وأسفر الهجوم عن مقتل المواطن الفرنسي-السوري صلاح أبو نبوت.

وبالمجمل، صدرت ست مذكرات توقيف بحق ستة مسؤولين عسكريين سوريين كبار في الجيش السوري، بسبب تورطهم المزعوم في هذا الهجوم.

رغم وجود بعض العناصر المشتركة، فإن مذكرة التوقيف الثانية ليست مرتبطة بالقضية الأساسية الخاصة بالأسلحة الكيميائية. مذكرتا التوقيف منفصلتان وقابلتان للتنفيذ ولكل منهما وقائع وتهم مختلفة. .

  1. ماذا عن مذكرات التوقيف الثلاث الأخرى الصادرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023؟

لم يطعن مكتب المدعي العامة في مذكرات التوقيف الصادرة بحق ماهر الأسد، وغسان عباس، وبسام الحسن. ويُعتبر ذلك إقراراً ضمنياً بوجود استثناءات لمبدأ الحصانة الوظيفية عندما يتعلق الأمر بارتكاب جرائم دولية.

  1. كيف تساهم مذكرات التوقيف الدولية -ضد بشار الأسد وماهر الأسد وغسان عباس وبسام الحسن في قضية الأسلحة الكيميائية – في تسهيل التحقيق أو توقيف أو محاكمة مشتبه بهم آخرين الذين ما زالوا طلقاء في سوريا أو الدول المجاورة بتهمة ارتكاب جرائم ذات صلة؟

تُساهم مذكرات التوقيف الدولية -الصادرة بحق بشار الأسد وماهر الأسد وغسان عباس وبسام الحسن- في إرساء سابقة قانونية واضحة للمسؤولية الجنائية الفردية عن هجمات الأسلحة الكيميائية، وتسهّل ملاحقة مشتبهين آخرين أو اعتقالهم أو مقاضاتهم.

وهذا يُعزز الأساس القانوني لملاحقة جهات فاعلة أخرى متورطة في جرائم مماثلة، بما في ذلك ضمن هيكل القيادة نفسه.

كذلك تزيد مذكرات التوقيف من الضغط السياسي والقانوني على الدول المجاورة للتعاون ولاتخاذ إجراءات ضد المشتبه بهم الذين لا يزالون طلقاء.

  1. هل توجد آليات إجرائية تسمح لقضاة التحقيق الفرنسيين بإدخال أدلة جديدة بعد سقوط النظام وقبولها في التحقيق القضائي الجاري في هجمات الأسلحة الكيميائية في أغسطس/آب 2013 (الأدلة التي تم جمعها بعد انهيار النظام، بما في ذلك إفادات الشهود، والوثائق، والمواد السمعية والبصرية، أو عمليات تفتيش المواقع)؟

نعم، يملك قضاة التحقيق في فرنسا صلاحيات تتيح لهم الحصول على أدلة جديدة وقبولها ضمن التحقيق الجاري.

طالما أن التحقيق ما يزال مفتوحًا، يمكن إدخال شهادات جديدة، ووثائق، ومواد سمعية-بصرية، وحتى طلب معاينات ميدانية.

إذا أُغلق التحقيق وظهرت معلومات جديدة، فبإمكان القضاة، بموجب قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، إعادة فتح التحقيقات أو توسيع نطاقها لتشمل أدلة جديدة مثل إفادات الشهود أو الوثائق أو المواد السمعية والبصرية أو معاينة الموقع.

  1. لماذا تُحقق فرنسا في هذه القضية؟

لدى بعض الدول، بما في ذلك فرنسا، قوانين الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية، والتي تسمح للمدعين العامين والمحاكم الوطنية بالتحقيق في الجرائم الدولية ومقاضاة مرتكبيها عند ارتكابها في الخارج. كما أن مبدأ الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية (أو العالمية) منصوص عليه في عدد من المعاهدات الدولية، مما يسمح للدول بمقاضاة الأفراد على الجرائم الدولية الخطيرة، مثل الإبادة الجماعية أو جرائم الحرب أو التعذيب، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة. في هذه القضية، تم تقديم شكوى طرف مدني في فرنسا في 1 آذار/ مارس 2021، أمام الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة للمحكمة القضائية في باريس، طلبًا لإجراء تحقيق جنائي في الهجمات بالأسلحة الكيميائية في آب/ أغسطس 2013، مدعياً أن هذه الهجمات تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. 

قُدمت الشكوى الجنائية مع طلب طرف مدني من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، وشهادات ضحايا الهجمات الكيماوية، استنادًا إلى الأدلة التي جمعها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، الأرشيف السوري، ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح.

أُنشئت الوحدة الفرنسية المتخصصة بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في عام 2013 وتتألف من مدعين عامين وقضاة تحقيق لديهم خبرة خاصة في التحقيق والملاحقة القضائية في الجرائم الدولية. 

وهم يعملون بشكل وثيق مع وحدة الشرطة المتخصصة (OCLCH). وهناك حوالي 160 قضية عالقة، في مراحل مختلفة من الإجراءات، أمام هذه الوحدة المتخصصة وتتعلق بجرائم مزعومة في أكثر من خمسة عشر (15) بلداً. 

من بين هذه القضايا، تتعلق حوالي 16 قضية منها بأحداث في سوريا، وتغطي الجرائم التي ارتكبها كل من النظام والجماعات المسلحة غير التابعة له مثل داعش.

  1. ما هو التحقيق القضائي (“instruction” أو “information judiciaire”) في النظام الفرنسي؟

يوجد نوعان من التحقيقات:

  • التحقيقات التمهيدية (“enquêtes préliminaires”)، وتُجريها الشرطة تحت إشراف النيابة،
    والتحقيقات القضائية (“instruction”)، التي يُديرها قاضٍ تحقيق مستقل.

يتم فتح التحقيق القضائي بناءً على طلب من النيابة، أو إثر تقديم شكوى مرفقة بادعاء مدني من الضحايا أو المنظمات.

خلال التحقيق القضائي، يمكن للأطراف – بما في ذلك الضحايا – طلب اتخاذ إجراءات (مثل استدعاء شهود أو تعيين خبراء أو إجراء اختبارات تقنية).

وبسبب تعقيد القضايا الجنائية، يستغرق التحقيق القضائي عادة عدة سنوات (في المتوسط من 2 إلى 3 سنوات).

وفي حال توصل التحقيق إلى أدلة كافية، يصدر قاضي التحقيق قرارًا بإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية المختصة (محكمة الجنايات في باريس).

  1. هل توجد شكاوى أخرى تتعلق بهجمات كيميائية في سوريا؟

نعم. قُدمت شكاوى جنائية بشأن هجمات الغوطة (2013) وخان شيخون (2017) في كل من ألمانيا (بتاريخ 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2020) والسويد (بتاريخ 19 نيسان/ أ بريل 2021).

وقد تضمنت هذه الشكاوى مجموعة واسعة من الأدلة والمعلومات، بما يشمل شهادات شهود وبيانات مرئية وتحليل تسلسل القيادة للأطراف المسؤولة.

وتواصل المنظمات غير الحكومية تزويد السلطات القضائية في فرنسا وألمانيا والسويد بأدلة جديدة لدعم هذه التحقيقات.