قراءة قانونية – سياسية في الإعلان الدستوري

قراءة قانونية – سياسية في الإعلان الدستوري

لا تُعدُّ الحالة السورية حالة استثنائية في التاريخ التي تتحوَّل فيها ثورة شعبية إلى صراعٍ عسكريٍّ أقرب ما يكون إلى حالة احتراب أهلي بدعمٍ من قوى إقليمية، ومن ثمَّ إلى انتصار مجموعة عسكرية معينة، الأمر الذي يضعنا أمام نوعٍ من الشرعية العسكرية التي تُسوَّغ بالثورة، فما يحصل عادة هو كالآتي:

  • تبدأ الثورة عادة على هيئة حراك شعبي ضد النظام القائم.
  • ثم تتحوَّل تدريجًا إلى صراع مسلح بين النظام وقوى معارضة متعدِّدة.
  • ثم يظهر فصيل عسكري قوي ينجح في إسقاط النظام أو السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد.

لنكون في الحصيلة أمام حالة من الغلبة العسكرية التي تلجأ إلى تغطية نفسها بالثورة بحثًا عن مزيدٍ من الشرعية، وغالبًا ما ينتج عن هذه الحالة:

  • إضعاف فكرة الشرعية الشعبية: حيث يتم تجاوز مفهوم الشرعية المستندة إلى إرادة الشعب لمصلحة “شرعية السلاح”.
  • إعادة إنتاج الاستبداد: سواء أكان الاستبداد الجديد في يد الجيش، أو في يد جماعات مسلحة مسيطرة ولا سيَّما في المرحلة الانتقالية.
  • الاعتماد على الدعم الخارجي: غالبًا ما تحتاج الفصائل العسكرية المنتصرة إلى دعم دولي للمحافظة على حكمها، ما يجعلها عرضة للتبعية السياسية والاقتصادية.

في فجر يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر 2025 سيطرت مشاعر الفرح والتفاؤل بزوال النظام الاستبدادي البائد على الأغلبية العظمى من السوريين والسوريات، بعد أكثر من عقد من المقاومة والصبر على الجرائم والانتهاكات الكبرى، وتهجير الملايين ومئات آلاف الضحايا وعشرات آلاف المفقودين.

وشكَّلت الرسائل المتقدِّمة التي أطلقتها قيادة العمليات العسكرية بما تضمَّنته من عدم الانتقام والعدالة والكرامة لجميع السوريين، والتعهد بعدم العودة إلى أساليب النظام البائد، وبناء دولة القانون والعدالة، خطوةً حقيقيةً إلى الأمام.

بناءً على ما سبق، كان يمكن أن تُصدر قيادة العمليات العسكرية إعلانًا دستوريًا منذ اليوم الأول لسقوط النظام السابق يحدِّد السلطات وصلاحياتها والأولويات التي لا بدَّ من التعامل معها، لكنَّ قيادة العمليات العسكرية ممثلةً بقائد هيئة تحرير الشام السيد أحمد الشرع أعلنت أنها ستؤسِّس لسلطة مبنية على مبادئ الشرعية الشعبية من خلال مجموعة من الخطوات التأسيسية، وأهمها إطلاق مؤتمر وطني سوري تنبثق منه الإجراءات التي ستشكِّل أرضية للمرحلة الانتقالية، واكتفت بمنح نفسها سلطة تسيير الأعمال لمدة ثلاثة أشهر بينما يتم عقد المؤتمر الوطني على أن تُبنى المرحلة الانتقالية على مخرجاته.

لكن الأمور سارت في غير هذا الطريق، إذ عقدت إدارة العمليات العسكرية مؤتمر النصر في 29 كانون الثاني/ يناير 2025، الذي ضمَّ قادة 18 فصيلًا عسكريًا، ونتجَ عنه تولية السيد أحمد الشرع رئاسة سورية في المرحلة الانتقالية، وقيامه بمهمات رئاسة الجمهورية، ومنحه صلاحيات كاملة، وتفويضه بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت. كما نتج عن المؤتمر حلّ حزب البعث، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وحلّ الأجهزة الأمنية والجيش، وحلّ مجلس الشعب، وإلغاء العمل بدستور عام 2012، وحلّ جميع الفصائل العسكرية، والأجسام الثورية والسياسية والمدنية، ودمجها في مؤسسات الدولة.

وبينما كان يُتوقَّع من الإدارة الحالية البدء بمشاورات مع القوى السياسية والمجتمعية والمجتمع المدني لعقد مؤتمر وطني سوري وفقًا لما أُعلن عنه سابقًا، تُبنى على مخرجاته الإجراءات التي ستشكِّل أرضية للمرحلة الانتقالية، إلَّا أنها ما لبثت أن تراجعت خطوة الى الوراء، وحوَّلت المؤتمر الوطني السوري إلى لقاء تشاوري باسم مؤتمر الحوار الوطني، وقرَّرت أن تتخذ من بيانه الختامي، الذي -على ما يبدو- كان قد أُعدَّ سلفًا، أرضية لشرعنة الإجراءات اللاحقة وأهمها الإعلان الدستوري. وفي 2 آذار/ مارس أعلنت الرئاسة السورية عن تشكيل لجنة خبراء لصياغة مسودة الإعلان الدستوري وفق المحدّدات الأساسية التي وُضعت من قبل رئاسة الجمهورية، وقد أنجزت اللجنة مهمتها، وسلَّمت مسودة الإعلان للرئاسة في 13 آذار/ مارس الحالي، ليصدر عن رئيس الجمهورية، ويعتبر نافذًا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.

للاطلاع على النص الكامل، يرجى الضغط على الملف التالي.