ورقة موقف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا: انتهاك للقانون الدولي واستهداف للسيادة والاستقرار
مقدمة:
شهدت سوريا خلال الفترة الماضية تصعيدًا عسكريًا خطيرًا من قبل الاحتلال الإسرائيلي، تزامنًا مع حالة من الفراغ السياسي والعسكري الناتجة عن سقوط النظام السوري السابق، وهروب رئيسه بشار الأسد.
استهدفت الاعتداءات الإسرائيلية بشكل موسّع المنشآت العسكرية السورية والبنية التحتية الاستراتيجية، بما فيها مستودعات أسلحة قيل أنها تضم مواد كيميائية، إضافة إلى منظومات دفاع جوي ومخازن ذخيرة وقطعاً بحرية، وتم الإعلان عن تدمير ما بين 70 إلى 80 في المئة من القدرات العسكرية للجيش السوري. ما سبق يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية، وانتهاكاُ للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي 242 لعام 1967 والقرار 497 لعام 1981، واتفاق فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا الموقع عام 1974. وتولت بموجبه سوريا الإدارة المدنية داخل منطقة الفصل، مع بقاء الجيش السوري خارج حدود هذه المنطقة. كما أن الإعلان عن نقض اتفاقية الاشتباك من طرف واحد مخالفة للمادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن جميع الدول يجب أن تلتزم بما توافق عليه في الاتفاقيات الدولية.
لذلك تشكل الاعتداءات الإسرائيلية تصعيداً يزيد من احتمالات توسع دائرة العنف التي تعيشها سوريا، وامتدادها باتجاه الدول المجاورة أيضاً، وما تزال هذه الاعتداءات مستمرة دون مبرر أو مسوّغ قانوني.
ووثق المركز السوري للإعلام وحرية التعبير 21 ضحية جراء القصف الإسرائيلي في الفترة الممتدة من مطلع أيلول/ سبتمبر إلى 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
وقائع الاعتداءات الإسرائيلية:
اقتحام القرى والبلدات والسيطرة على الجانب السوري في جبل الشيخ:
دخلت القوات الإسرائيلية قرى الحميدية، ورسم الشولي، والقحطانية، في خرق واضح لاتفاق المنطقة العازلة المُوقّع عام 1974، ثم تقدمت باتجاه مدينة القنيطرة، وصولاً إلى الريف الجنوب الغربي للعاصمة دمشق حيث وصلت الدبابات الإسرائيلية على بعد 25 كلم منها، كما توغلت القوات الإسرائيلية في منطقة حوض اليرموك من محافظة درعا، ونشرت إسرائيل جنودها في منطقة عازلة منزوعة السلاح من مرتفعات الجولان، وسيطرت على الجانب السوري من جبل الشيخ مستغلة انسحاب جنود الجيش السوري.
أكبر عمليات قصف جوي إسرائيلية:
استهدفت إسرائيل بما يزيد عن 400 غارة مواقع عسكرية واستخباراتية، شملت مطارات وثكنات ومستودعات أسلحة وصواريخ. وأعلن الجيش الإسرائيلي تدمير مقدرات الجيش السوري، بما في ذلك طائرات وسفن حربية. حيث شملت عمليات القصف التي نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال يومي 9 و10 تشرين الثاني/ ديسمبر 2024 معظم المحافظات السورية بما فيها قلب العاصمة السورية دمشق وريفها، فاستهدفت الغارات الإسرائيلية مركز البحوث العلمية في برزة بريف دمشق، ومراكز عسكرية وأمنية منها المربع الأمني في منطقة كفرسوسة، ما يعني طمس وتخريب أدلة ووثائق قد تحويها مراكز المخابرات ويمكن لها أن تساهم في كشف حقائق حول المختفين والمعتقلين أو محاسبة مسؤولين سوريين.
هجمات بحرية واسعة على السفن السورية:
نفذت البحرية الإسرائيلية عمليات استهدفت السفن الحربية السورية في كل من البيضا واللاذقية. وأسفرت الهجمات عن تدمير عشرات صواريخ بحر-بحر ومعدات عسكرية استراتيجية. كما تعرضت مواقع عسكرية في مدينة طرطوس الساحلية إلى سلسلة من الغارات العنيفة ليل الأحد 15 كانون الأول/ ديسمبر 2024، استهدفت وحدات للدفاع الجوي ومخازن صواريخ.
قصف قواعد جوية استراتيجية:
استهدفت الغارات الإسرائيلية بشكل واضح وملحوظ القواعد الجوية الخاصة بالطيران الحربي السوري وأجهزة الرادار، حيث استهدف القصف قواعد القامشلي الجوية شمال شرقي سوريا، وقاعدة شنشار في ريف حمص، ومطار عقربا قرب دمشق، ومطار خلخلة شمالي السويداء، ومطار دير الزور العسكري، حيث أسفرت الغارات عن تدمير عشرات الطائرات الحربية وطائرات الهليكوبتر. كما قصفت طائرات الاحتلال منشأة للدفاع الجوي قرب ميناء اللاذقية، ما يعكس اتساع النطاق الجغرافي للهجمات.
توصيات ومطالب:
يدين المركز السوري للإعلام وحرية التعبير الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، التي تمثل انتهاكاً لسيادة سوريا واستقرار المنطقة، ومخالفة واضحة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. إذ يتطلب هذا التصعيد العسكري الخطير استجابة حازمة من المجتمع الدولي لمنع تدهور الأوضاع في سوريا والمنطقة ككل.
وبناء عليه نطالب:
دولة الاحتلال الإسرائيلي:
- الوقف الفوري لعدوانها المتواصل على الأراضي السورية والانسحاب من المناطق التي احتلتها منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024.
- الوفاء بالتزاماتها بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، ووقف النقل القسري لسكان القرى التي احتلتها مؤخراً، بما يضمن الحماية اللازمة لسكانها المدنيين.
الأمم المتحدة:
- ندعو مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة لمناقشة هذه الاعتداءات واتخاذ قرارات ملزمة لوقف الهجمات الإسرائيلية على سوريا.
- تشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية ومحاسبة المسؤولين عنها.
- إجبار إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، على وقف عدوانها المتواصل على الأراضي السورية، ووضع جدول زمني لانسحابها من الجولان السوري الذي تحتله منذ تموز/حزيران 1967.
المجتمع الدولي والدول الكبرى:
- مطالبة جميع الدول، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الروسي باعتبارهما ضامنين لاتفاقية فض الاشتباك عام 1974، بممارسة ضغوط دبلوماسية على إسرائيل لوقف التصعيد والالتزام بالقرارات الدولية.
- دعم جهود إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية، بما يعزز استقرارها ويحول دون تحولها إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.
المنظمات الإقليمية والهيئات الحقوقية الدولية:
- نطالب جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي اتخاذ موقف جماعي واضح للتنديد بالعدوان الإسرائيلي والتصدي له عبر السبل الدبلوماسية والقانونية.
- نطلب من المنظمات الحقوقية الدولية توثيق هذه الانتهاكات والضغط من أجل ملاحقة إسرائيل أمام المحاكم الدولية.
كما نؤكد أن استمرار الصمت الدولي على هذه الجرائم يهدد بتكريس ثقافة الإفلات من العقاب، وهو ما لا يمكن القبول به في ظل حاجة المنطقة الماسة إلى السلام والاستقرار.