باريس، فرانكفورت، الأربعاء 19 كانون الثاني/ يناير 2022
تبدأ اليوم الأربعاء 19 كانون الثاني/ يناير 2022 محاكمة المتهم “علاء. م” من قبل المحكمة الإقليمية العليا في مدينة فرانكفورت بألمانيا، حيث يواجه الطبيب الذي سبق وعمل في المشافي العسكرية السورية، مجموعة من التهم تندرج معظمها في خانة الجرائم ضد الإنسانية.
وقد كانت محكمة العدل الفدرالية في فرانكفورت (OLG)، قد قبلت يوم الأمس، الثلاثاء 18 كانون الثاني/ يناير 2022، طلب الاستئناف الذي قدمه المدعي العام الألماني بخصوص لائحة الاتهام الموجهة للمتهم “علاء. م”، وقبلت الاستئناف بحيث أيدت قبول جميع التهم الثماني عشر الموجهة للمتهم، بعد أن كانت المحكمة الإقليمية العليا في مدينة فرانكفورت قد قبلت سابقاً عشر تهم فقط من الثماني عشر.
يرحب المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ببدء إجراءات المحاكمة بحق “علاء. م”، كما بقرار محكمة الاستئناف قبول جميع التهم الموجهة بحقه. ويعتبر أن المحاكمة تندرج كأحد خطوات مسار الدفع باتجاه تحقيق العدالة السوريين، والذي لا يزال شاقاً وطويلاً بانتظار إحالة ملف سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، أو إطلاق مسار عدالة انتقالية وطني يؤسَس على الانتقال السياسي في سوريا. ويشيد المركز بشجاعة الضحايا والشهود، واضعاً كل إمكاناته في خدمتهم.
يذكر أن المتهم “علاء. م” قد تم اعتقاله من قبل الشرطة الألمانية يوم الجمعة 19 حزيران/ يونيو 2020 في ولاية هيسن، للاشتباه بارتكابه جرائم ضد الإنسانية وتعذيب المعتقلين، بناءً على مذكرة توقيف من قاضي التحقيق بمحكمة العدل الاتحادية في نفس اليوم. ولاحقاً وفي 16 كانون الأول/ ديسمبر، أمر القاضي باستبدال المذكرة الصادرة في 19 حزيران/ يونيو بمذكرة توقيف مطولة تتكيف مع حالة التحقيق. وفي 15 تموز/ يوليو 2021 قرر المدعي العام الاتحادي في ألمانيا قبول لائحة الاتهامات بحق الطبيب السوري “علاء. م” المقيم في ألمانيا، وإحالة ملف القضية إلى المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت-ماين. تتضمن لائحة الاتهام جرائم من فئة القتل العمد، والتعذيب، وإلحاق الأذى البدني والنفسي الجسيم، ومحاولة حرمان الأشخاص من القدرة الإنجابية، وتصنّف جميعها بوصفها جرائم ضد الإنسانية، يشتبه أن المتهم نفذها في فترات عمله في كل من مشفى حمص العسكري /608/، وفرع الأمن العسكري في حمص /261/ ومشفى المزة العسكري /601/ بين عام 2011 وعام 2015، الذي غادر فيه سوريا متجهاً إلى تركيا ومن ثم إلى ألمانيا ليستقر فيها.
جدير بالذكر أن الإدعاء العام الألماني استند في البدء على المعلومات التي ظهرت في تحقيق استقصائي مشترك بين قناة الجزيرة وصحيفة “دير شبيغل” الألمانية، بعنوان “البحث عن جلادي الأسد”، حول توجه عدد المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا إلى أوروبا تحت ذريعة اللجوء أو الهجرة، وكشف التحقيق عن توجّه الطبيب المتهم إلى ألمانيا عام 2015 حيث استقر فيها وقام بمزاولة مهنة الطب هناك في مشافي مدينتين مختلفتين. يقول مازن درويش: “مرة أخرى يثبت الضحايا بشجاعتهم وتصميمهم على انهم فرسان العدالة واساسها وأن الرهان على انقضاء الزمن او تخلي الضحايا عن حقوقهم هو مجرد وهم. فمن غير الممكن تحقيق سلام مستدام في سوريا المستقبل دون عدالة حقيقية تضمن حقوق الضحايا ومحاسبة المجرمين”.
وتكمن أهمية هذه الدعوى بكونها الأولى من نوعها التي يتم فيها توجيه التهم بحق أحد أفراد الكوادر الطبية، كان يفترض أنه جزءاً من منظومة الرعاية الطبية وشارك في تنفيذ جرائم ضد الإنسانية. كما تسلط هذه القضية الضوء على الاستخدام المنهجي للحكومة السورية للعنف الجنسي كشكل من أشكال التعذيب الذي يمارس أيضاً من قبل الكوادر الطبية كما في مراكز الاحتجاز والتحقيق في سوريا، الأمر الذي يعد سابقة مهمة في تاريخ قضايا الولاية القضائية العالمية فيما يتعلق بالجرائم الدولية المرتكبة في سوريا وخارجها.
مجدداً يؤكد المركز السوري للإعلام وحرية التعبير على أهمية محاسبة المتورطين بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا ومكافحة الإفلات من العقاب، ويعتبر أن هذه القضية تمثل خطوة أخرى على الطريق الطويل لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، من المهم أن تستتبع بخطوات أخرى للعمل على تقديم جميع مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا من جميع الأطراف وأينما كانوا إلى العدالة، ويجدد المركز دعوته باقي حكومات الدول التي من الممكن أن يكون على أراضيها مجرمو حرب أو مرتكبي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان قدموا من سورية لاتخاذ إجراءات مماثلة، ويكرر مطالبته بإحالة ملف الجرائم المرتكبة في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، كمقدمة للوصول إلى حل سياسي ينتج عنه سلام مستدام في سوريا.