بحسب أرقام “إدارة الهجرة العامة التركية ” هناك 3 ملايين و701 ألف و584 سوريا تم تسجيلهم تحت وضع “الحماية المؤقتة” في تركيا التي تختلف من حيث حجمها الجغرافي والديمغرافي وقوتها الاقتصادية إذا ما قورنت مع جيران سوريا الآخرين، وبالتالي قدرتها على استيعاب اللاجئين الذين قامت الحكومة التركية وعلى مدار السنوات الماضية بإقرار تشريعات قانونية تُنظم بعض جوانب حياتهم و اهتمت بتعليمهم وجهدت لتحسين أوضاعهم الاجتماعية وحتى ظروفهم النفسية. غير أن كل هذه السياسات لم تكن كافية لاندماج السوريين الذين ينتظرون منذ عام 2015 تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 والذي يؤكد على انتقال سياسي في سورية وعلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة وفقا للقانون الدولي.
خلال سنوات النزاع السوري وطول أمد إقامتهم في تركيا, أشعل الركود الاقتصادي ومعدلات التضخم العالية وارتفاع معدلات البطالة الغضب تجاه السوريين الذين ينظر الأتراك للكثيرين منهم باعتبارهم عمالة رخيصة تستولي على الوظائف وتستفيد من الخدمات العامة, كما تصاعدت مؤخراً حدة خطاب الكراهية والتمييز ضدهم , عبر سلسلة من التصريحات الإعلامية والحملات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تصور وجودهم في تركيا كمسبب للتراجع الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وتضخيم أثرهم على النسيج الاجتماعي التركي، ما يدفع للاعتقاد بوجود “حملات منظمة” تهدف إلى إثارة الكراهية ضدهم وتسهم في ترجمة الكراهية إلى أفعال واعتداءاتٍ جماعية بحقهم أو التهديد بها كما حدث في 13 آب/ أغسطس خلال مباراة لكرة القدم لأحد الأندية ذات الشعبية العالية حيث قام جمهوره في الملعب بترديد شعار “لا نريد لاجئين سوريين في بلادنا” بالإضافة لشعارات قومية تركية مع موجات من الصفير والتصفيق الموحد، بعد يومين فقط من الاعتداءات على السوريين في العاصمة أنقرة في 11 آب/ أغسطس 2021 والتي أتت كردة فعلٍ على طعن لاجئ لاجيء سوري لاثنين من الأتراك في مشاجرة انتهت بمقتل أحدهما.مما أثار حفيظة مواطنين أتراك في منطقة “ألتين داغ” قاموا بتشكيل مجموعات لمهاجمة وتكسير متاجر السوريين وحرق بضائعهم ورمي الحجارة على منازلهم في المنطقة وأسفر ذلك عن إصابة طفل بجروح وخسائر مادية كبيرة في الممتلكات في مؤشر على مستوى جديد من الحساسية تجاه اللاجئين السوريين.هذه الحساسية مرشحة للتصاعد مع تدفق اللاجئين الأفغان عبر الحدود الشرقية إلى تركيا مؤخراً والذي كان عاملاً أساسياً في إعادة ملف اللاجئين إلى الواجهة.
وخلال شهر آب / أغسطس الحالي رصد مشروع توثيق الانتهاكات في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير /20/ حالة تحريض موجهة من سياسيين تجاه الوجود السوري في تركيا كان منها: تصريح رئيس بلدية بولو بتاريخ 3 آب/ أغسطس 2021 باقتراح رفع قيمة فاتورة المياه على الأجانب في حدود بلديته بنسبة 10 أضعاف، والذي ألغي لاحقاً لصعوبة تطبيقه ويدأ المدّعي العام تحقيقاً ضده بتهمتي “سوء السلوك في المنصب” و”الكراهية والتمييز”، وذلك عقب شكاوى جنائية تقدمت بها منظمات مدنية وحقوقية تركية.وكذلك بتاريخ 10 آب/ أغسطس 2021 أدلى رئيس بلدية سونغورلو في ولاية “تشوروم” التركية بتصريحات عنصرية تجاه اللاجئين وخاصة السوريين، حيث أكد أنه لن يسمح لأحد من اللاجئين السوريين بأن يسكنوا منطقة سونغورلو كما قال “من ليس له بلد ليس له شرف”.
إن صمت الحكومة التركية تجاه تصريحات العداء والتحريض الإعلامي بحق اللاجئين السوريين دون أي تدخل رغم أنها تسيطر على معظم وسائل الإعلام في تركيا وتمارس رقابةً كاملة على وسائل التواصل الاجتماعي بموجب قانون التحكم بمنصات التواصل الاجتماعي الذي أقره البرلمان التركي في 29 يوليو/ تموز 2020، يتضمن تقصيراً في مسؤوليتها عن حماية السلم الأهلي من التوترات الاجتماعية وتصاعد العنف وعن توفير الحماية القانونية المتكافئة دون أي تفرقة للمواطنين والمقيمين على الأراضي التركية بغض النظر عن طبيعة إقامتهم وقانونيتها وبمسؤوليتها عن إنفاذ قانون العقوبات التركي رقم /5237/ الذي يعاقب على جرائم الكراهية بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات في المادة /122/ وعلى خطاب الكراهية في المادة 216 الفقرة الأولى بالعقوبة ذاتها.
كما يتضمن إخلالاً بالتزاماتها الدولية في احترام وتأمين احترام قيمة المساواة التي تنص عليها المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإخلالاً بالتزامها بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المادة 20 التي تحظر أي دعاية للحرب أو التحريض على الكراهية والتزامها بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وبمتطلبات “الحماية المؤقتة” التي تنظم وجود السوريين على أراضيها والتي تشمل فتح الحدود وحظر الاعادة القسرية وتوفير الاحتياجات الأساسية والطارئة لهم و يأتي في مقدمتها الأمن، دون أن يعفيها التحديد الجغرافي الاختياري الذي أوردته على بنود الاتفاقية الدولية للاجئين عام 1951 من التزامها كدولة طرف في الاتفاقية بحماية اللاجئين وحماية حقوقهم الاساسية، ومن التزام الحماية الدولية كمسؤولية إنسانية بكفالة سلامتهم الشخصية وأمنهم وتعويضهم عن الحماية التي فقدوها في دولهم،
لما سبق يناشد المركز السوري للإعلام وحرية التعبير الحكومة التركية إلى:
- الوقف الفوري لعمليات الإبعاد القسري للاجئين إلى شمال سوريا والعمل على تنظيم الوضع القانوني للاجئين أياً كانت مخالفاتهم لأنظمة الإقامة أو الحماية المؤقتة في تركيا، فالترحيل إلى أي منطقة في سورية هو مخالفة جسيمة للقواعد الآمرة في القانون الدولي وانتهاك صارخ لحقوق اللاجئين بالأمن والحماية،
- اتخاذ خطوات تشريعية سريعة وفعالة لمواجهة خطاب وأفعال الكراهية المتصاعدة بحق اللاجئين واعتماد “خطة عمل الرباط” بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية عند تنفيذ أو تنقيح إطارها القانوني الوطني أو إصدار القرارات الادارية ذات الصلة، والعمل على تمكين اللاجئين من الوصول للعدالة على أراضيها وتوفير وسائل إبلاغ فعالة وسريعة عن أفعال الكراهية والعنصرية التي قد يتعرضون لها.
- سحب التحفّظ على بند “القيود الجغرافية” في اتفاقيّة الأمم المتحدّة بشأن اللاجئين لعام 1951 وإنهاء حالة الحماية المؤقتة التي تنظم وجود السوريين في تركيا وتحويلها لحماية دولية (لجوء) تضمن أمن وسلامة اللاجئ اللاجيء ومركزه القانوني وفقاً للمعايير الدولية.
- إبعاد قضية اللاجئين عن التجاذب السياسي المحلي والتصدي لمحاولات الاستغلال الانتخابي والتطبيق الحاسم لنصوص القانون التركي المتعلقة بنشر الآراء العنصرية والأكاذيب والمعلومات المضللة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والالتزام بأحكام القانون دون الإخلال بضمان الحق في حرية التعبير للجميع.
كما يدعو المؤسسات والهيئات الاعلامية التركية للالتزام بالمعايير الأخلاقية للصحافة وتجنب التصوير النمطي للأفراد والجماعات وعرض التقارير والأرقام بأسلوب وقائعي ومحايد واعتماد مدونات لقواعد الأخلاق والسلوك من أجل ممارسة وتعزيز المعايير التي يمكن أن تعيد تشكيل التصورات العامة وتوضح واقع اللاجئين وحقوقهم ومساهمتهم في المجتمع التركي.
ويدعو الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمانحين للبحث في سياسات ومشاريع إنماء اقتصادي في تركيا تساعد المجتمع المضيف على تحمل أعباء اللجوء وتمكن السوريين من المساهمة في الاقتصاد عبر توليد فرص العمل للمحلّيين وتوسيع قاعدة عائدات الحكومة وتحد من نسب البطالة والرفض الشعبي التركي للاجئين وتدعم التماسك والسلم الاجتماعيَّين والتعاون مع المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية لإعداد خطط اندماج أكثر فاعلية وإيجاد حلول فعالة لتجاوز العقبات التي تعيق عملية اندماج السوريين في المجتمع التركي وأهمها “عامل اتقان اللغة التركية ” من خلال توفير حوافز وبرامج دعم لتعلم اللغة التركية والسماح للجامعات والمدارس الأهلية والمؤسسات المدنية بالمساهمة فيها.
المنظمات الموقعة:
جنى وطن
هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية
حملة من أجل سوريا
سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان
منظمة حقوق الانسان في سوريا- ماف
المركز السوري للدراسات والابحاث القانونية
المركز السوري للاعلام وحرية التعبير