ضمن تقريره السنوي يقدم المركز السوري للإعلام وحرية التعبير توثيقاً مُفصّلاً للانتهاكات الحاصلة بحق العاملين في المجال الإعلامي خلال عام 2019، بما فيها جرائم قتل واستهدافٍ عمدي ومباشر للصحفيين تم فيها استخدام القوة بشكل مفرط دون مراعاة لمبدأي التمييز والتناسب، وعلى نحو لا تبرره أي ضرورة عسكرية أوأمنية، كما يوثق (93 ) انتهاكاً تشمل انتهاك الحق في الحياة والسلامة الشخصية للإعلاميين، وتعريضهم للعنف الجسدي وغيره من وسائل العنف أو الإهانة والمعاملة الحاطة بالكرامة الانسانية، وحالات الاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب، ومداهمة مقرات الفرق الإعلامية والعبث بمحتوياتها، ومنازل الإعلاميين ومصادرة أجهزتهم ومعداتهم الصحفية.
دورية التقرير وتخصّصه برصد الانتهاكات الحاصلة على مدار عام 2019 لاينفي عنه صفة الراهنية، إذ أنه ورغم الاعتقاد السائد لدى البعض بأنّ تراجع العمليات العسكرية أو توقفها مستقبلاً يخفف من حدة انتهاكات حقوق الإنسان والحقوق الإعلامية بشكلٍ خاص، فإنّ الواقع يخالف هذا الاعتقاد بشكلٍ كامل، إذ غالباً ماتوجه أطراف النزاع المتحاربة جهودها نحو الداخل وتعمل على ملاحقة المعارضين في مناطق نفوذها، إضافةً لمن تعتقد احتمال معارضتهم في وقت لاحق، وهو ما أكده التحقيق المنشور في النيويورك تايمز بأنّ تراجع حدة المعارك في العام 2017، جعلت عمليات الاعتقال تتزايد في مناطق سيطرة الحكومة السورية عام 2018 بمقدار الربع، وما أكده أيضاً سلوك الحكومة السورية مع الإعلاميين من البيئة الموالية لها الموثق في متن هذا التقرير.
كما يستمد التقرير راهنيته أولاً لحقيقة أنّ إشكاليّة حرية التعبير والحريات العامة في سوريا ليست مجرد ظاهرةٍ عابرة أو سلوكاً يرتبط بنظام حكمٍ محدد،حيث مارست جميع أطراف النزاع انتهاكاتٍ بحق حرية الإعلام والتعبير،ما يؤكد بأنها إشكاليةٌ متجذرة في البنى الثقافية والاجتماعية والسياسية للمجتمع السوري,سابقة ولاحقة للصراع، الأمر الذي يطرح تحديات مستقبلية يجب التعامل معها عبر التأكيد على جوهرية حرية التعبير والإعلام، وأولويتها المطلقة في أي نظام قانوني جديد أو صياغة دستورية مستقبلية.
ثانياً من حاجة المجتمع السوري الملحة لتكريس حرية التعبير ووسائل الإعلام الحرة المستقلة، بما لا يقل عن حاجته للقضاء المستقل، خاصةً وأن كلاهما يعمل بمثابة قوة فعالة لمحاربة الانحراف عن القانون والتعسف والفساد، الأمر بالغ الأهمية في بيئة اجتماعية تعاني من “موروث اجتماعي وديني”، دفعت فيها سنوات الحرب وسيطرة الآلة العسكرية وعقود الاستبداد السابقة نحوعودة الكثيرين إلى التركيبات المجتمعية التقليدية من قبيلة وطائفة وأسرة، ومن ثم تعميق ثقافة العنف ونبذ الآخر.
وإضافةً لتوثيق الانتهاكات يحاول التقرير قراءة الواقع الإعلامي عبر استعراض التطورات وأهم الأحداث التي أصابت الحقل الإعلامي في مناطق النفوذ الثلاث،مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات العضوية بينها لجهة طبيعة القوى المسيطرة والمؤسسات التابعة لها. أمّا فيما يخص الحقوق والحريات والتي في مقدمها الحق في الإعلام وحرية الإعلام وحرية الرأي والتعبير التي شكلت صلب عمل المركز منذ تأسيسه فقد تمّ الاكتفاء باستعراض الحريات الأكاديمية وعلاقتها بحرية التعبير، وحقوق الإنسان والفقر، بوصفهما سياقاً معيارياً لمباحث تدريس الإعلام والبيئة الوظيفية للإعلام الواردين في التقرير، وإحالة الحقوق والحريات الإعلامية للتقارير السابقة الصادرة عن المركز تجنباً للإطالة والتكرار.
يأتي التقرير في قسمين الأول نظري يحاول الإحاطة بالواقع الإعلامي عام 2019، عبر رصد أبرز الأحداث والتطورات التي طرأت على الحقل الإعلامي في سوريا في مناطق السيطرة الثلاث، حيث شغلت المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية القسم الأكبر من الدراسة لامتلاكها مؤسساتٍ وبنى تشريعية أكثر استقراراً بالمقارنة مع مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية.
بينما يستعرض القسم الثاني أنماط الانتهاكات بحق الاعلاميين للوصول إلى استنتاجات وعدد من التوصيات، التي يوجهها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير لأطراف النزاع في سوريا، وللمجتمع الدولي والفاعلين المحليين و الإقليميين من أجل حماية وتعزيز حرية التعبير وحرية تداول المعلومات وإلزامية إدراجها في أي آلية مستقبلية للمصالحة أو العدالة الانتقالية.