محامي الدفاع لـ «الشرق الأوسط»: التهم جاهزة دائما.. وجهات أمنية تعتبر نفسها أعلى من القانون
صحيفة “الشرق الأوسط”- بيروت: ليال أبو رحال
يشكل الفنانون والمثقفون السوريون، الذين لم يترددوا في التعبير عن آرائهم حيال الأحداث التي تشهدها سوريا منذ منتصف شهر مارس (آذار) الفائت، «فريسة» سهلة للقوى الأمنية السورية التي بدورها لا تتردد في اعتقالهم متى وجدت الفرصة الملائمة.
وعلى الرغم من أن أماكن سكنهم وعملهم معروفة، فإن عملية توقيفهم تبقى خاضعة لمزاج الرقيب الأمني، إذ تم اعتقال أكثر من ناشط ومخرج ومثقف لدى محاولتهم السفر للمشاركة في مؤتمرات حقوقية أو إعلامية، مع العلم بأن معظمهم يقصد دائرة الجوازات والسفر للتأكد من أنه لا شيء يمنع سفره، لكنه يفاجأ بتوقيفه أثناء وصوله إلى المطار أو إلى الحدود.
وفي حين أن محاكمة البعض منهم تحصل سريعا، فإن البعض الآخر يعاني من طول مدة احتجازه لدى الفروع الأمنية قبل أن يحال ملفه إلى المحكمة بتهم يصفها المستشار القانوني لـ«المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» خليل معتوق لـ«الشرق الأوسط» بأنها «تهم جاهزة إلى درجة باتت فيها أشبه بـ(الكليشيهات) على غرار (النيل من هيبة الدولة)، و(نشر أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة)، و(الانتساب لمجموعة محظورة من أجل قلب النظام)، و(التظاهر)، و(الانتساب إلى جمعية ذات طابع دولي)».
ويؤكد معتوق، وهو محام وناشط حقوقي يتطوع للدفاع عن العشرات من «معتقلي الرأي والضمير» في سوريا، منهم على سبيل المثال عامر عثمان وعامر مطر (صحافيان)، وريم غزي ونضال حسن (مخرجان)، وغيفارا نمر (مصورة ومنتجة)، وكمال شيخو (ناشط وصحافي)، وشادي أبو الفخر (منتج)، أنه «لا نص قانونيا يجيز اعتقال المثقفين والناشطين، أو يبرر التهم التي توجه إليهم»، وقال «هناك (حلّة) من أي قانون، حيث إن فروع الأمن يمكن أن تعتقلهم متى شاءت في أي مكان، في ظل عدم الالتزام بأصول المحاكمات والقانون السوري إلا في حالات نادرة».
وتطرق معتوق إلى حالة المخرج السينمائي فراس فياض، الذي «بعد أن تأكد من دائرة الجوازات والسفر أنه لا شيء يمنع سفره، توجه إلى المطار للسفر، وإذ بإحدى الجهات الأمنية التي تعتبر نفسها أعلى من القانون تعتقله، وحتى الآن لا نعرف شيئا عنه ولا عن وضعه القانوني». ويتابع «كذلك الحال بالنسبة للمدونة والناشطة رزان غزاوي التي كانت متوجهة إلى عمان للمشاركة في مؤتمر إعلامي، وإذ بها يتم توقيفها على الحدود السورية – الأردنية، على الرغم من أنهم يعرفون مكان عملها وإقامتها، وما نعرفه حتى اللحظة عنها أنها محتجزة لدى جهة أمنية ولم يحل ملفها إلى القضاء بعد».
ولا يخلو توقيف هؤلاء المثقفين والفنانين من مضايقات يتعرضون لها على أكثر من مستوى، كما يوضح معتوق، الذي لم ينف بدوره تعرضه لضغوط واستدعاءات وإزعاج متكرر من قبل القوى الأمنية. ولفت إلى أنه «بعد توقيف المخرج نضال حسن على سبيل المثال تم إبقاؤه لمدة شهر كامل في أحد الفروع الأمنية، وتم حلق شعره بالكامل، ومن بعدها نقل إلى سجن عدرا».
وفي الإطار عينه، أكد معتوق أن ثمة قرارات صدرت عن القضاء السوري ويشهد لها، خصوصا في حالتي كمال شيخو ومازن عدي، حيث أسقط القضاء التهم الموجهة إليهما بعدما لم يجد ما يؤكد صدقيتها، لافتا إلى أنه «تم الحكم على شيخو بشهرين، فيما سبق الحكم عليه توقيفه لمدة 8 أشهر».
وأعرب «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» عن بالغ قلقه الشديد لازدياد الانتهاكات الواقعة على الصحافيين والمدونين والعاملين في المجال الإعلامي في سوريا، لافتا إلى رصده «أكثر من 120 واقعة انتهاك موثقة لديه منذ بداية العام حتى الآن، الأمر الذي يعتبر انتهاكا صارخا لقرار مجلس الأمن رقم 1738 لعام 2006، والداعي إلى ضرورة اعتبار الصحافيين أشخاصا مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم في مناطق النزاع المسلح، وهو القرار الموافق لمجموعة اتفاقيات ومعاهدات دولية أخرى أكدت على ضرورة حماية الصحافيين في حال النزاع المسلح».
وبدوره، يشدد معتوق على أن «حالات التوقيف كلها مخالفة للدستور السوري وللاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعتها سوريا، لأن كل ما يقومون به هو التعبير عن رأيهم»، وأشار إلى أن «النص القانوني نفسه يشير إلى أنه في حال تفريق مظاهرة يتم إنذار المتظاهرين أولا، وإذا لم يستجيبوا يعاد إنذارهم ثانية، ثم يرشون بالماء ثالثة، ومن ثم يجيز اعتقالهم». وأبدى أسفه لكون «ما يحصل مغاير كليا، إذ تتم الدعوة لمظاهرة عند الساعة الخامسة، فتحضر القوى الأمنية وتعتقل الموجودين في مكان الاعتصام عند الرابعة والنصف، أي قبل بدء المظاهرة»، مشددا على «المطالبة بسيادة القانون حتى في ظل الظروف التي تشهدها سوريا في الوقت الراهن».
تجدر الإشارة إلى أن الصحافي عامر مطر مثل أمام قاضي التحقيق الرابع في دمشق، يوم الخميس الفائت، بعد أن قرر قاضي التحقيق العسكري الخامس التخلي عن الدعوى إلى القضاء العادي، حيث قامت النيابة العامة بتحريك الدعوى عليه بتهمة «نشر أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة». وأكد خلال استجوابه أنه «تعرض للجبر والشدة وأن كل أقواله أمام فرع الأمن لا صحة لها».
وبعد أن وجهت النيابة العامة للمخرجة ريم غزي تهم «الانتساب إلى جمعية سرية والنيل من هيبة الدولة ونشر أنباء كاذبة والحض على التظاهر والاشتراك فيه»، أنكرت غزي أمام قاضي التحقيق الثاني في دمشق في الخامس من الشهر الحالي جميع التهم المنسوبة إليها، وتم إيداعها سجن النساء في عدرا.
وفي اليوم نفسه، تم استجواب المخرج السينمائي نضال حسن أمام قاضي التحقيق الخامس في دمشق، وتم اتهامه بـ «نشر أنباء كاذبة في الخارج» وتهمة «تحقير رئيس الدولة»، وتم إيداعه سجن عدرا المركزي.
كذلك، اعتقلت سلطات الهجرة والجوازات يوم الخميس الفائت في مطار دمشق الدولي المصورة والمنتجة السينمائية غيفارا نمر أثناء توجهها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لحضور مهرجان دبي السينمائي، حيث كانت ضمن مجموعة من الفنانين والإعلاميين السوريين الذين تمت دعوتهم لحضور المهرجان. وهذا الاعتقال هو الثاني لنمر بعد اعتقالها أثناء مشاركتها في «مظاهرة المثقفين» في حي الميدان.