أما بعد،
كل كلمات التأبين و الوداع صعبة, لكنّها تزداد إيلاماً و قسوة حين تكون لوداع شابّ
في مقتبل عمره, و حين يكون هذا الشّاب من الذين تركوا, كما ترك كريم, بصمة مشرقة في
الذاكرة يصبح كلّ حرفٍ و كأنّه عَصرُ الوريد حتّى آخر قطرة.
رحل كريم عربجي عنّا يوم السبت, الخامس من آذار, عن اثنين و ثلاثين ربيعاً, أو
اثنين و ثلاثين ياسمينةً من دمشقه التي أحبّها دون حساب أو حدود. رحلَ فجأةً.. لم
يشبهه رحيله في شيءٍ, فستار الصّمت المفاجئ و كريم ضدّان ﻻ يتماثلان أبداً. لم يكن
قد مضى بالكاد عامٌ على خروجه من السّجن و كان يشقّ بعزيمة و اصرار طريقه نحو حياةً
جديدة, بدايةً جديدة لحياةٍ قصرت أكثر بكثيرٍ من المُنتظر. كعادته كان لديه الكثير
من الأحلام.. أحلامٌ أجهضها القدر أبداً ظهر السّبت في بيروت.
في صفحات منتدى أخوية- سوريا عرفنا كريم.. القوي و الواثق و المثقف, الجاد ببراعة و
الهزلي بفن, كريم الفكرة و الرأي و الموقف..بإشرافه (كان كريم تحت الإسم المستعار "Krimbow"
أمين اقسام المجتمع في " أخوية " و مشرف قسم "منبر أخوية الحر")،قد شُيّد برلمان
شبابي جمع مختلف الأطياف و المشارب و الأهواء و الإيديولوجيات لتتحاور بانفتاح و
حرّية و تعايش, و كسر بعزيمته و صبره في النقاش هواجس الريبة من الآخر و الخوف من
المجهول.
عرفنا كتاباته و خواطره في الرأي و الإبداع و الفن و السياسة.. نطرب أحياناً, نبكي
أحياناً أخرى, نضحك غالباً و نغضب بين حين و آخر.. كان بارعاً في استفزاز من يود
سحبه إلى ساحة النقاش حول السياسة أو الفكر أو الثقافة, و في أكثر لحظات النقاش
اشتداداً و حين يبدو أن المقبل هو الشجار كان هناك نكتة أو طرفة أو "سحبة" من كريم
تذكرنا بأننا رغم اﻻختلاف أصدقاء, أو ربما أصدقاء بسبب اﻻختلاف..
لم ترض الخطوط الحمراء عن تحليق كريم فوقها برأيه الحر و كلمته الطليقة, لم يقبل
سجن المقبول أن يجد جَسورٌ شجاع مفتاحاً لكل أقفاله, فكانت الملاحقة ثم الإعتقال و
السجن له بالمرصاد بداية صيف عام 2007 و حوكم بتهمة "إضعاف الشعور القومي“ التي
اعتدنا عليها والتي حوكم بها العديد من رفاقه من نشطاء و مشرفين في "أخوية" ومن ثم
حُكم عليه بالسجن لمدّة ثلاث سنوات.. يبدو أن حبّ الوطن خارج الأقنية الرسمية
الضيّقة كفرٌ أو أشد..
خرج في الشهور الأولى من عام 2010 بعفوٍ خاص بتدخل جهات دينية مقربة من العائلة
بحكم وضع والده الصحي المتردي، و بالكاد خرج كريم كي يشهد أيام والده الأخيرة, حيث
توفي السيّد أنطوان عربجي بعد إطلاق سراح ابنه كريم بأسابيع قليلة جداً, و رغم
الظروف القاتمة و المناخ الحزين و الشدّة الخانقة كان لدى كريم دوماً كلمةٌ طيّبة و
ابتسامةُ صادقة لمن يود تحيّته و اﻻطمئنان عليه و الدردشة معه. لم يكن يريد النظر
للماضي, كان أقصى ما يقوله عن السجن أنه خرج منه و وزنه زائد كيلوغراماً عن وقت
دخوله, كان يريد رفع أكمامه عن ساعديه و البدء بالعمل على تذليل المصاعب و فتح
الأبواب المغلقة رغم كل شيء.. و بحثاً عن منافذ جديدة لكسب قوت يومه توفي السبت في
بيروت, خارج عشيقته دمشق.كانت آخر مشاريعه الفكرية بذرة مدوّنة باسم "إيمارجي",
الكلمة التي عشق و التي لم يكن يملّ من إعادة شرح معناها.
سيلاقي جثمان كريم دمشق مرّة أخرى, و أخيرة, غداً اﻻثنين, و نقول (جثمان كريم) و
ليس كريم ﻷن كريم عربجي لم يغادر دمشق منذ ولد, فحيث ذهب أخذ دمشق معه, و حتى بعد
دفن جثمانه سيبقى كريم صرحاً دمشقياً كحارات باب توما التي شهدت صباه و شبابه. حيث
تكون دمشق يكون كريم, حيث تُذكر دمشق أو تُصوّر أو تُرسم أو تلحّن سيظهر وجه كريم
الودود.
اليوم, باسم كلّ من مرّ يوماً بمنتدى أخوية- سوريا و توقف لحظات عند كتابات "Krimbow"
سنضع وردةً على نعشٍ يحوي جثّة إلى التراب ستعود, لكننا واثقون أننا سنشعر
بابتسامته في قلوبنا كلّما قيلت كلّمة حرّة في سوريانا.
الخلود لروحك .. صديقنا كريم
—
روابط ذات صلة:
* أخوية – سوريا: http://www.Akhawia.net/
*"إمارجي" مدونة كريم حديثة العهد : http://Amarggi.blogspot.com/
* " أنا الدمشقي كريم عربجي" صفحة أصدقاء كريم ع الفيس بوك: http://www.facebook.com/KarimArbaji
* "كريم عربجي" تجميع اعمال كريم الفكرية يقوم عليه اصدقاء كريم http://www.KarimArbaji.com/