كمال شيخو ـ المونيتور
تتابع أمينة مستو من ولاية أورفة في جنوب تركيا، الأخبار المتسارعة القادمة من مسقط رأسها، مدينة منبج الواقعة إلى الشمال الشرقيّ من مدينة حلب، وتبعد عنها نحو 80 كيلومتراً، حيث تدور منذ مطلع الشهر الجاري معارك عنيفة بين تنظيم الدولة الإسلاميّة، وقوّات سوريا الديمقراطيّة المدعومة من التحالف الدوليّ الذي تقودها الولايات المتحدة، وعزلت المدينة وباتت تحاصرها من جهاتها الاربعة.
أشارت أمينة وهي سيّدة كرديّة في منتصف عقدها الرابع، فرّت من مدينتها قبل عامين بعد سيطرة التنظيم الإسلاميّ المتشدّد، إلى موقع “المونيتور” إلى أنّها لا تعلم أيّ شيء عن مصير من تبقّى من أسرتها وهي والدتها الطاعنة في السن، وشقيقها الاكبر وعائلته وفضلوا البقاء في منبج، وتخشى أن يواجهوا العراقيل أمام الخروج الى الحدود التركية من المناطق الخاضعة إلى سيطرة التنظيم، وقالت: “منذ شهرين والاتّصالات مقطوعة، اتّصلت كثيراً على أرقام هواتفهم وحتّى أرقام الجيران من دون جدوى، كما أنّ الإنترنت مقطوع منذ شهرين ايضاً. أخشى عليهم كثيراً”.
وقد قرّر محمّد كول وزوجته، وهما من تركمان مدينة منبج، العدول عن فكرة السفر إلى إحدى الدول الأوروبيّة، بعد ان دخلت الحرب في بلادهم عامها السادس. فالأنباء عن الاشتباكات العسكريّة بين تنظيم الدولة وقوات سورية الديمقراطية، والتي وصلت إلى مشارف المدينة أعطتهما دفعاً لأمل العودة إليها قريباً حيث أنّهما أجبرا على النزوح منها قبل عامين بعدما فرض تنظيم الدولة الإسلاميّة قوانين وأنظمة متشدّدة، الأمر الذي دفعهما إلى اللجوء إلى تركيا. وفي حديثه إلى موقع “المونيتور”، قال كول إنّه يفضّل العودة إليها على السفر لاوربا، وأضاف: “كلّ أهلي وأقربائي وذكرياتي فيها، فور تحريرها سأعود إليها لا محال”.
أمّا نوّاف السالم، وهو رجل سبعينيّ من عرب منبج، يسكن مع عائلته في مدينة كلس التركيّة المحاذية للحدود مع سوريا، فقد خرج هو الآخر من مدينته بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلاميّة خشية على أبنائه الشباب بسبب رفضهم مبايعة التنظيم والالتحاق بصفوف مقاتليه. نقل مشاعره المشوّشة إلى موقع “المونيتور” قائلاً: “أحياناً الفرحة تغمرني عند سماع أخبار المعارك وتقدّم قوات سورية الديمقراطية نحّو المدينة، لكنّني أخشى أن تطول الحرب وتكون عودتنا مستحيلة لمدينتنا كما هي الحال في باقي البلاد”، في إشارة إلى الحرب المستعرة في سوريا منذ خمس سنوات ونيّف بين النظام الحاكم ومعارضيه.
إلّا أنّ رغبة هؤلاء بالعودة إلى ديارهم قد لا تتحقّق سريعاً في ظلّ الصراع المستمرّ بين القوى العسكريّة المتصارعة في ريف حلب الشرقيّ والشماليّ. فالمئات من المدنيّين يفرّون يوميّاً من المناطق الساخنة، جرّاء المعارك القتاليّة العنيفة بين تنظيم الدولة الإسلاميّة وقوّات سوريا الديمقراطيّة من جهّة، وبين التنظيم وفصائل من الجيش السوريّ الحرّ من جهّة ثانية.
وأشار مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة في 6 حزيران/يونيو 2016 إلى أنّ “هجوماً مدعوماً من الولايات المتّحدة الأميركيّة لاستعادة مدينة منبج (…) تسبّب في نزوح نحو 20 ألف مدنيّ منذ بداية الشهر الجاري”، وحذّر المكتب من “المعارك المحتدمة التي قد تتسبّب في نزوح نحو 216 ألفاً آخرين إذا استمرّت”.
ويدعم التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة، قوّات سوريا الديموقراطيّة في حربها ضد تنظيم الدولة الاسّلامية، وهي عبارة عن تحالف يضمّ فصائل عربيّة وكرديّة، عمادها وحدات حماية الشعب الكرديّة، في معاركها ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة في شمال سوريا.
وقوات سورية الديمقراطية منذ إطلاقها عمليّة تحرير منبج في 31 أيّار/مايو الماضي، وصلت هذه القوّات إلى تخوم منبج الشماليّة وتمكّنت من تطويق المدينة في شكل كامل من الجهّات الشرقيّة والشماليّة والجنوبيّة. وقطعت طريق إمداد التنظيم بين الرقّة، معقله في سوريا، ومنبج وصولاً إلى جرابلس على الحدود التركيّة.
وأعلن شرفان درويش المتحدّث الرسميّ باسم المجلس العسكريّ لمدينة منبج والذي يقود عمليّات قوّات سوريا الديموقراطيّة في معارك منبج: “قوّاتنا اقتربت بمسافة تمكّنها من استهداف إرهابيّي “داعش” داخل المدينة”، لكنّه شدّد بالقول: “من المقرّر أن ندخل المدينة، لكن سنتوخّى الحذر بسبب وجود المدنيّين”.
وأخبر درويش أثناء لقائه مع موقع “المونيتور” أنّه بعد اليوم التالي من تحرير مدينة منبج “ستقتصر مهمّتنا على تأمين المدينة وحمايتها وسيكون عملنا في الجبهات العسكريّة”، وأضاف أنّه “ستسلّم منبج بالكامل الى إدارة مدنيّة، وهذه الادارة ستقوم بمهمّة التواصل مع كلّ مكوّنات المدينة وفعاليّاتها السياسيّة والعشائريّة والمجتمعيّة، لتشكيل مجلس محليّ”.
إلّا أنّ المدير التنفيذيّ لمنظمّة اليوم التالي المعارض السوريّ وائل سوّاح شكّك في كلام درويش اعلاه، ولدى لقائه مع موقع “المونيتور”، قال: “في عالم مثاليّ، هذا الكلام جميل، وهو الاحتمال الأفضل لجميع الأطراف. وإذا استطاعت قوّات سوريا الديمقراطيّة أن تنفّذ ذلك، فإنّها ستقدّم مثالاً يحتذى به للأطراف الأخرى”، منوّهاً: “بيد أنّ واقع الحال مختلف، وأخشى أن تكون وعود قوّات سوريا الديمقراطيّة فقط للاستهلاك الإعلاميّ. وللأسف فإنّ تجربة الحرب في سوريا أعطت نتائج مختلفة، واحتفظت كلّ قوّة بالمساحة الجغرافيّة التي احتلّتها”.
وطالب السوّاح قوات سورية الديمقراطية بتسليم المدينة إلى مجلس محلّي جديد يتشكّل من أبنائها لإدارة شؤونها، وأن تبقى هذه القوّات التي حرّرتها موجودة فقط للدفاع عنها، وقال: “لقد أثبت السوريّون في عدد من المناطق أنّهم قادرون على إدارة شؤون حياتهم بأنفسهم، إذا ما تركوا وشأنهم من دون تدخّلات إقليميّة، ومن دون وجود مقاتلين أجانب يفرضون رؤيتهم المتطرّفة على السوريّين”.
بينما أشار رئيس الإدارة المدنيّة لمنبج فاروق الماشي إلى “المونيتور” أنّ التحدّي الأكبر بعد تحرير المدينة “يكمن في إعادة النازحين والمدنيّين إليها”، واعتبر خلال كلامه إلى موقع “المونيتور” أنّ “إعادة الثقة بين الناس لا تقلّ أهميّة عن عودتهم”. وأضاف: “كما سنعمل على اعادة تأهيل البنى التحتيّة من مشافٍ وكهرباء وماء ومدارس لتوفير الخدمات”.
ويتحكّم تنظيم الدولة الإسلاميّة المتطرّف في مناطق سيطرته بمفاصل الحياة كافّة، ويغذّي الشعور بالرعب بين الناس من خلال الإعدامات والعقوبات التي يطبّقها، الأمر الذي دفع البعض إلى التعاون معه. وعن مصير هؤلاء الذين قاتلو الى جانب التنظيم في حال قرّروا البقاء في مدينتهم، أفاد الماشي: “سيحالون إلى محاكم شعبيّة محلّية، أمّا الذين ارتكبوا جرائم قتل فستكّون عقوبتهم مضاعفة”.
وعمد تنظيم الدولة الإسلاميّة إلى تحويل المدارس إلى مقرّات أو سجون له، كما منع تدريس التلاميذ وفق المنهج الرسميّ المعتمد في سوريا، وفرض على الطلّاب الخضوع إلى دورات تعليم دينيّة. وعن كيفيّة التعامل مع الأطفال، لا سيّما الذين خضعوا إلى الدورات الشرعيّة، أردف الماشي: “سنقوم بفتح مشافٍ نفسيّة خاصّة بمعالجتهم، وتخصيص برامج لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال وغيرهم ممّن تأثّروا نفسيّاً بحكم داعش”.
الجدير بالذكر أنّ عدد سكّان مدينة منبج السوريّة كان يبلغ قبل اندلاع النزاع السوريّ، حوالى 120 ألف شخص، ثلثهم من الأكراد، فيما الغالبيّة من العرب ويعيش فيها التركمان والشركس. إلّا أنّ ثلثيّ السكّان فرّوا منها ونزحوا إلى تركيا بعدما رفضوا العيش تحت وطأة تنظيم الدولة الإسلاميّة.