علي شري: جزيئيات الثورة

صحيفة “الأخبار”: روي ديب
تحت عنوان «صور رديئة رديئة»، يقدم علي شرّي (1976) معرضه الفردي الأول في «غاليري إيمان فارس» في باريس. هنا، يعيد التشكيلي اللبناني قراءة الثورات العربية من زاوية الصورة التي أنتجتها، مستخدماً وسائط متعددة كالصور الرقميّة، والفيديو، والتجهيز. نحن نعيش في عالم يتدفّق فيه العنف عبر الصور التي تغزو شاشتنا، حتى تلك التي تصلنا من الثوار المقموعين في الساحات العربيّة. هكذا، تحوّلت الصورة إلى وسيلة اعتمدها الثوار في دعم قضيتهم. صور «رديئة» لأنها منقولة عبر الهواتف، و«رديئة» المضمون لأنها تشهد غالباً على القتل والدم… هذه الصور أراد شرّي إخراجها من ازدواجيّة صورة المضطهَد قبالة صورة المضطهِد. أراد إعادة فحصها، ورؤيتها عبر تجريد مادتها من الثقل السياسيّ لعلّها تظهر حقيقة مخبأة في تركيبتها. لذلك اشتغل الفنان على صور مأخوذة من أفلام فيديو حُمّلت على مواقع التواصل، كاليوتيوب والفايسبوك من مناطق عدة: بيروت الغارقة في حرب مستمرة، وسوريا حيث استطاع المتظاهرون تحويل صورتهم الرديئة إلى الحدث.
بذلك يصبّ شرّي اهتمامه على الصور المتضمّنة العنف. يجمد لحظة من فيديو ليستكشفها. يلجأ إلى تكبير الصورة حتى بلوغ الجزيئيات الرقميّة التي تؤلّف الصورة، ليعيد طباعتها على قياسات كبيرة. أهميّة ذلك التدخل التقني تكمن في تجميد زمن الفعل العنفيّ، وتحديده وإعادة عرضه في صورة واحدة مكبرة بغية التعمق في فهم الحالة العنفيّة الأكبر. إن كنّا نعيش في عالم حيث تكثر المعلومات ونفتقد المعنى بحسب جان بودريار، فإنّ شرّي يبحث عن المعنى الكامن في تفصيل الصورة، وفي لغة اليوم في الجزيئيّة الرقميّة التي تشكّلها.
تحت عنوان «جمعة»، نرى رأساً ملثماً. وفي «الهارب» رجلاً يبرز بطاقة تعريفيّة، وفي «النائم في القاع» (الصورة) رجلاً نائماً أو ميتاً تغمر المياه نصف جسده، متكئاً رأسه على اليابسة. إنّها لحظات مشحونة بمعانٍ وإسقاطات، لكن مجرد خطفها من سياقها وعرضها منفردة يتيح إعادة قراءتها في آنيتها، بعيداً عن المسلمات. إضافةً إلى معرضه المنفرد، يشارك شرّي في معرض جماعي يقام في «معهد العالم العربي» بعنوان «عام على الثورة التونسية». ينطلق شري من فعل الحرق الذي قام به محمد البوعزيزي، ليكتب على لوح بعيدان الكبريت «لست مصاباً بهوس الإحراق». الصورة في أعمال شرّي ليست تمثالاً نقيمه لنحتفل بأمجادنا، ولا نزيله خوفاً من تحطم آمالنا وأحلامنا. إنّها مرآة لواقع نعيشه، فيه الجمال والمرارة، لكن علينا التوقّف لحظة عنده لعلنا نجد اللغة الأفضل لفهمه.