اعتمدت السياسة التعليمية في سوريا على مبدأين أساسيين : مبدأ مجانية التعليم في كل مراحله . و كذلك مبدأ استيعاب جميع الطلاب الحاصلين على شهادة البكالوريا في الجامعات السورية العامة بعد أن يخضع الطلاب لمفاضلة تؤهلهم حسب علاماتهم للانتساب إلى أحد أفرع الجامعة .
و يبدو واضحاً في تجربة الاستيعاب الجامعي أنها لم تكن مربوطة بخطط التنمية وحاجة سوق العمل وإنما قامت على ركيزتين أساسيتين الانتشار الأفقي والاستيعاب معتبرة أن مجانية التعليم بكل مراحله و لاسيما العالي هو جزء رئيس من العملية التنموية و الديمقراطية ، فيما يلاحظ أن ذلك لم ينعكس على واقع التشغيل حتى في مؤسسات الدولة ذاتها حيث أن نسبة خريجي التعليم العالي العاملين في مؤسسات الدولة تتراوح بين 8-12% بينما حوالي 66% من العاملين هم من حملة شهادة الدراسة الإعدادية ومادون ،
إن ترافق هذه السياسة بضعف الإنفاق الحكومي على التعليم و خصوصا النواحي العملية و البحث العلمي مع أعداد الطلاب الكبيرة (4.2 مليون طالب) أدى إلى رداءة مستوى العملية التعليمية و التي تكاد تكون سمة واضحة في جميع الكليات والجامعات السورية ، إلا أنها تتفاقم في الكليات النظرية ، وتحديداً في العلوم الإنسانية والإعلام ، فغياب الكوادر التدريسية المختصة والمؤهلة ، والبيروقراطية والفساد ، وتخلف المناهج ، والآليات التعليمية المتخلفة والتي تعتمد أسلوب التلقين …. كل هذه السمات أدت إلى إنتاج خريجين غير مؤهلين فعلياً للخوض في غمار العمل .
1- التعليم العادي :
على الرغم من أن عدد الجامعات في سوريا يبلغ 12 جامعة بواقع 4 جامعات حكومية و 8 خاصة إلا انه لا يوجد في أي منها كلية إعلام وإنما هناك قسم إعلام تابع لكلية الآداب و العلوم الإنسانية و ذلك فقط في جامعة دمشق الحكومية ، و الذي بقي لسنوات طويلة حكرا على الطلاب الأعضاء في حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم . مع العلم أنه لم يطلق على هذا القسم تسمية قسم الإعلام إلا من حوالي السنتين في حين كان يعرف بقسم الصحافة و من المفارقات أن رئيس قسم الإعلام في جامعة دمشق لسنوات طويلة يحمل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع إلى أن تم استبداله منذ بضعة أشهر بالدكتورة فريال مهنا.
يلاحظ بشكل واضح غياب التخصص في المناهج وعدم وجود خطة تدريسية، فالطالب يدرس كل شيء تقريباً له علاقة بالإعلام : التحرير الصحفي – الأنواع الإعلامية المكتوبة – الأنواع الإعلامية وتحويلها لحالة متلفزة – التوثيق – فنون الخبر – نشر وسائل الاتصال – حركة وسائل الاتصال عبر التاريخ – تقنيات الإعلام والمعلوماتية – الإخراج الصحفي المكتوب – الإنتاج المرئي والمسموع – طرائق التحرير الإعلامية ….. الخ بالإضافة إلى العديد من المواد الثقافية خصوصا في السنة الأولى تاريخ الحضارات , الثقافة القومية الاشتراكية …. فالمناهج تعطي معلومات عامة وغير عميقة .
و يتم تدريس هذه المواد بشكل سطحي وسريع على شكل محاضرات سردية تعتمد على مبدأ التلقين. في حين من المفترض أن يكون هناك قسم مختص بالصحافة المكتوبة وقسم مختص بالصحافة المسموعة والمقروأة وقسم معلوماتية وتكنولوجيا المعلومات ومنها يتفرع إلى تخصصات إذاعية وتخصصات تلفزيونية وتخصصات تتعلق بالصحف والجرائد وتخصصات الصحافة الالكترونية …..
– الجانب العملي : التدريس في قسم الإعلام نظري بامتياز ويخلو تماما من أي جانب عملي وتقني ولا يقدم أي خبرات أو مهارات عملية في مجال العمل الإعلامي ، يؤكد ذلك خلو القسم من أي وسيلة تقنية يمكن أن يستخدمها الطلاب في التدريبات العملية . ففي حين من المفترض أن يتوفر مخابر مجهزة بمعدات – كاميرات فوتوغرافية وتلفزيونية – مطبعة – انترنيت – أجهزة مونتاج – استديوهات إذاعية وتلفزيونية …. الخ . وحتى أن أجهزة الكمبيوتر دخلت مؤخراً إلى القسم وبأعداد غير كافية كمحاولة لإنشاء جانب معلوماتي يمكّن الطلاب من التعاطي مع البرامج المتخصصة في مجال الإعلام ولكن هذا المَخْبَر تحول إلى حالة تقليدية غير مجدية لا تقدم للطلاب سوى القليل من المعلومات العامة . بالإضافة إلى عدم توفر مكتبة إعلامية خاصة .
أما عن التدريبات العملية فهي شكلية وتقسم إلى نوعين :
• معسكر إنتاجي في السنة الثالثة ( يقام في العطلة الصيفية ) : يقوم خلاله الطلاب بزيارات إلى المؤسسات الإعلامية الرسمية : الصحف الرسمية ( تشرين – البعث – الثورة ) – وكالة سانا للأنباء – التلفزيون الرسمي السوري . خلال هذه الزيارات القصيرة والمعدودة والخاطفة يطلع الطلاب على بعض جوانب العمل في هذه المؤسسات بشكل نظري أي دون الممارسة العملية عدا عن أن هذه الزيارات تخضع بالدرجة الأولى لمزاجية القائمين على هذه المؤسسات ، فلا تكون ضمن خطة معينة أو مبرمجة فتأخذ شكلاً عفوياً وشكلياً وتكون النتيجة غير مجدية لا تقدم للطالب ما يؤدي به إلى خبرة أو معرفة .
• خلال العام الدراسي في السنة الثالثة والرابعة يطلب من الطالب تقديم وثائق من جهات إعلامية رسمية ( نفس الجهات المذكورة سالفاً ) تؤكد ممارسته لعمل ميداني في أحد هذه المؤسسات ، ولكن هذا الجانب لا يتم بالتنسيق بين الجامعة وهذه الجهات وأيضاً لا يحمل برنامجاً محدد أو واضح ولا ضمن أي خطة ممنهجة ، وإنما يترك الطالب لشطارته بمعنى الحذلقة ولمدى قدرته على تحصيل الدعم والواسطة لأداء هذه الفريضة ، وأيضاً تخضع هنا المسألة بالإضافة إلى هذه المحسوبيات إلى مزاجية العاملين في هذه المؤسسات والتي غالباً ما تكون مزاجية بيروقراطية وغير مسئولة تنعكس سلباً على الطلاب ، مما يدفع الطالب تحت هذه الظروف إلى العمل على تحصيل التواقيع التي تثبت ممارسته لأي عمل إعلامي عملي في أحد هذه المؤسسات بدون أن يكون قد مارس فعلاً هذا العمل ، فالمهم تحصيل علامة الجانب العملي المتوقفة فقط على هذه التواقيع ( الثبوتيات )
كل هذا يؤدي إلى إنتاج خريج جامعي من قسم الإعلام غير مختص ، ملم وغير تقني ، فإذا ما تعامل مع أي أداة إعلامية كالكاميرا مثلاً فإنه غير قادر على التعامل معها لا تقنياً ولا فنياً وفي نفس الوقت قد يمتلك القدرة على التنظير في كيفية استخدام هذه الأداة أو تلك. والأسوأ هو أن الخريجين صحفيين ولكن بلا هوية مهنية إعلامية
– و من الجدير بالذكر أن الدراسة في جامعة دمشق – قسم الإعلام لا تحتوي على دراسات عليا .
2- التعليم المفتوح
تم إحداث تجربة التعليم المفتوح حديثاً في جامعة دمشق مما فتح الباب أمام آلاف من الشباب الذي لم يستطع إتمام دراسته في الجامعة النظامية بسبب انخفاض تحصيله في الشهادة الثانوية ، فتح أمامهم الباب لمتابعة تحصيلهم العلمي وتحسين مواقعهم الوظيفية .
ورغم أن الجامعة تحصل سنوياً – بحسب بعض التقديرات – على حوالي 2 مليار ليرة سورية من عائدات التعليم المفتوح إلا أنها تستخدم البنية التحتية ذاتها للتعليم النظامي دون تقديم أي تطوير أو خدمات إضافية لهذه البنية ، مما أدى إلى إرباك إداري ناتج عن التقاطعات الزمنية بين فترتي الدراسة والامتحانات للتعليم النظامي من جهة والتعليم المفتوح من جهة أخرى .
وما يعاني منه الطلبة في التعليم المفتوح بالدرجة الأولى قلة المحاضرات للمقرر الواحد وضغط جميع المحاضرات في يومين من كل أسبوع ، هما يومي العطلة للتعليم النظامي .
ورغم أن الجامعة تحقق إيرادات جيدة من هذا التعليم إلا أنها لم تُقدم حتى الآن على خطوات داعمة أو تطويرية لهذا التعليم ، وحتى أن القائمين وقفوا موقف المتفرج أمام ازدياد أعداد المقبلين على التعليم المفتوح حتى وصل العدد في العام الدراسي 2005-2006 إلى حد وقفت معه الجامعة عاجزة عن الاستيعاب ، مما دفع الإدارة إلى إعلان إيقاف التسجيل في بعض الفروع – مثل الإعلام – وإقفال فروع أخرى – مثل الاستصلاح الزراعي وذلك لأنهم اكتشفوا قصور في برنامج استصلاح الأراضي من الناحية العلمية وأن المنهاج وضع أساسا في مصر للفلاحين ونقل كما هو لإعطائه لطلاب الهندسة الزراعية!! – وذلك حتى يتم معالجة الأزمة ، دون أن يجري أي توضيح للرأي العام وللطلبة تحديداً على ماذا ارتكز أصحاب الأمر عند إصدار هذه القرارات؟
وتزداد الإشكاليات التي يعاني منها طلاب قسم الإعلام في التعليم المفتوح – بشكل خاص – إذ يضاف إلى كل المعيقات الأخرى غياب أي شكل للجانب العملي وحتى البحثي في الدراسة ، ولا حتى وجوداً شكلياً كما هو الحال في التعليم النظامي ، فالأمر هنا لا يقتصر على غياب الأدوات التي يحتاجها الطالب ( من استديوهات وآلات تصوير ومخابر …. ) بل يتعدى ذلك إلى بنية وتركيبة المناهج التي تخلو حتى نظرياً من الإشارة إلى الآليات والطرق العملية والتقنية ، فالمناهج تنظيرية بامتياز ، ويبدو القسم قسماً للعلاقات العامة والإعلان وليس للإعلام .
ويتناول المنهاج أبحاثه من وجهة نظر أيديولوجيا ، فيركز على النظريات الاشتراكية و رؤيتها للإعلام ويقارن بينها من جهة وبين النظريات الرأسمالية ، دون التطرق للنظريات الحديثة .
إن غياب التخطيط والإدارة والفساد ينعكس بصورة مباشرة على المؤسسة التعليمية . وإذا ما تحدثنا عن تجربة قسم الإعلام كنموذج سنجد أن التجربة انطلقت عام 2003 وبعد ثلاث سنوات فقط أي عام 2006 وجدت الإدارة نفسها أمام أعداد كبيرة وغير متوقعة من الراغبين في التسجيل مما شكل صدمة استيعاب ، واكتشاف أن البنية التحتية غير مستكملة ، وفي حين تم تدريس المنهاج المصري في السنة الأولى من انطلاق التجربة اعتمد مع بداية الدفعة الثانية منهاج جديد من تأليف الأساتذة السوريين وللمصادفة كانت معظم المواد تحمل نفس العناوين ، ومع أن هذه المناهج تم تأليفها وأنجزت خصيصاً للقسم ، إلا أنهم اكتشفوا بعد سنتين لا أكثر أن هذه المناهج لا تتناسب وطبيعة التعليم المفتوح ، ووجدت الإدارة أن برامج التعليم تتطلب تدريبات عملية وفنية ، غيابها سيجعل العملية التعليمية غير مجدية ، كما لو أن القائمين على التعليم لا يعرفون أن بعض الأقسام تطبيقية في بعض جوانبها وتحتاج إلى واقع عملي ومعدات خاصة . فكان مصير القسم أن تم تعليق التسجيل به لحل هذه المشكلات .