مصور فرنسي يقدم صورا حية من حمص: الخطر موجود والناس يقتلون وهم يشترون او يعبرون الشوارع او يتظاهرون
خوف ودمار.. تضامن وشجاعة وتصميم في مدينة ترفض الاذعان
لندن ـ ‘القدس العربي’: لان السلطات السورية تمنع الاعلام الخارجي وتشن حملة على وسائل الاعلام بسبب تغطيتها للاحداث بدأ عدد من الصحافيين بالمغامرة ودخول المدن السورية التي تعتبر في قلب الانتفاضة السورية، ففي يوم الاحد الماضي نشرت صحيفة ‘اوبزيرفر’ مشاهدات مراسلها في المدينة الذي نقل صورة عن جو الخوف والترقب الذي يسود المدينة، ومواقف بعض من لقيهم من النظام والجامعة العربية، وفي مجموعة من الصور التي التقطها مصور الفرنسي ونشرتها صحيفة ‘الغارديان’ ومجلة ‘باري ماتش’ الفرنسية تظهر مقاتلين من جيش سورية الحر- كتيبة خالد بن الوليد في مدينة تلبيسة القريبة من مدينة حمص، فيما اظهرت صورة جنازة شاب قتل برصاص الامن في حي بابا عمرو.
وقد تخفى الصحافي ماني الذي يعمل بشكل حر، لم تكلفه اية صحيفة القيام بالمهمة، حيث كان يلبس الكوفية كي لا يوقفه رجال المخابرات، ويقول انه لم يكن يقضي الا ليلة واحدة في المكان الذي ينزل فيه خشية القبض عليه، وقضى شهرا في سورية في مناطق حمص والرستن والمناطق القريبة منهما، ويقول ان سكان حمص يقضون وقتهم في الطوابق الارضية من بيوتهم لان الطوابق العليا خطيرة، واضاف ان احدهم مرة ايقظه واخبره ان جثة رجل رميت خارج مسجد البياضة في حمص، حيث قال ان الرجل اختفى قبل ايام وقال الناس ان الشبيحة اختطفوه.
وقال ان الوضع مخيف ذلك ان الكثير من الناس قتلوا فقط لانهم كانوا يقطعون الشارع او لانهم كانوا يسعون لقضاء حاجات لهم، مشيرا الى ان ‘الخطر دائما موجود وفي كل يوم يطلقون النار’ اي قوات الامن. وهذه هي التجربة للاولى لماني في منطقة حرب، وما ساعده على التحرك هو معرفته اللغة العربية وطلاقته باللهجة السورية، حيث كان قادرا على التحرك والاختلاط بالناس من دون ان يثير شك الجواسيس.
ويقول ماني ان الجرحى في التظاهرات تقوم عائلاتهم بعلاجهم سرا، ويقول ‘عندما كنت في حمص، وصلت اخبار عن اعدام جرحى في المستشفى بعد ان تعرضوا للتعذيب، ولهذا عندما لقيت الشاب احمد وعمره 15 عاما حيث كان يتلقى اسعافا اوليا في بيته بعد ان اصابته طلقة من قناص في رجله، فهمت خوف والده من نقل ابنه للمستشفى’. وتظهر صور ماني الخوف والدمار الذي تعيشه مناطق الانتفاضة الساخنة خاصة حمص، فيما تظهر صور اخرى التضامن والوحدة الذي يميز سكان المدينة التي تعاني من انقسام سياسي وديني. وهناك شعارات ‘دولة مدنية ديمقراطية’ لتحل محل نظام الاسد القمعي. ويصف ماني من التقاهم من الناشطين في مدن المواجهة قائلا انهم ‘مصممون وشجعان لحد كبير وتشعر بان من حولهم من المدنيين يدعمونهم ويعرفون هدف معركتهم’. ويضيف ان المعركة ليست متساوية في النهاية فهم ‘يواجهون دبابات وعربات مصفحة وليس لديهم الاسلحة المتوفرة للجيش، ومع ذلك فبقنابلهم اليدوية هم قادرون على الحاق الاضرار بالامن، كما شاهدت بام عيني’، وخصصت الصحيفة صفحتين كاملتين تظهر جنازة في واحدة من قرى حمص، وتظاهرة في واحدة من الجمع في حي الخالدية وصورا لمقاتل بسلاحه في حمص واطفالا وهم يجمعون بقايا القنابل التي استخدمت لمواجهة الطائرات في بابا عمرو ومقاتلين بالمناظير وهم يرصدون حركة القناصة من بناية عالية. وتعتبر الصور الاولى من نوعها والتي التقطت من داخل المدينة بحسب الصحيفة التي خصصت ايضا الصورة الرئيسية على الصفحة الاولى.
جرحى على الحدود اللبنانية
وذكرت صحيفة ‘التايمز’ ان الجرحى من مدينة حمص اثناء التظاهرات يفرون منها بسرية الى الحدود مع لبنان كي يتلقوا العلاج هناك، والتقت الصحيفة مع مجموعة من الشبان المدنيين في بلدة في شمال لبنان، حيث كانوا يعالجون جراحهم التي تعرضوا لها اثناء التظاهر، وقالوا انهم قطعوا المسافة بين حمص والحدود مع لبنان ـ 15 ميلا- وتسللوا الى لبنان وقالوا انهم سيعودون الى حمص بعد تعافيهم. وقال احدهم ويطلق على نفسه اسم ابو يازة انه جرح اثناء مساعدته جيش سورية الحر من خلال جلب الطعام لهم، ووصف الطريقة التي جرح فيها، حيث حلقت طائرة على مسافة قريبة وحددت موقعهم ثم قام الجيش بقصفه، ثم وصف الجريح اصوات الانفجارات والجرحى الذين تفرقوا في كل مكان، وقال ابو يازة انه نقل الى واحد من المستشفيات الميدانية المنتشرة في مدن سورية وفي اماكن سرية كي يعالج من شظية اصابته، ولكنه قرر بعد اسبوع المغامرة والسفر للبنان. وقال الشيخ ياسر وهو معارض سوري يعيش في المنفى، ويدير جمعية صغيرة لمساعدة الجرحى انه شاهد الكثير من الجرحى الذين اصيبوا، اما في صدورهم او ارجلهم او رؤوسهم.
وقال ان الجرحى الذين يصلون وقد اصيبوا جراء انفجار قنبلة مسمارية لا يمكن معالجتهم الا بقطع اطرافهم المصابة. واضاف الشيخ الذي يدير جمعية لمساعدة الجرحى انه من الصعوبة بمكان نقل الجريح الى مستشفى داخل سورية حكوميا كان ام مدنيا، وعلق قائلا انه في بقية انحاء العالم ان جرح احدهم فان يتلقى علاجا مناسبا، ولكن في سورية يجب ان يترك كي يموت ويتلقى عدد من اللاجئين مساعدات من الحكومة اللبنانية ومن الامم المتحدة، ولكن هناك من يخشى ان تلاحقه قوات الامن السورية، خاصة بعد سلسلة من الاختطافات التي تعرض لها معارضون سوريون في لبنان ذلك ان سورية لا تزال تحتفظ بتأثير في لبنان الذي خرجت منه في عام 2005. ولهذا السبب لا يزال السوريون المعارضون للنظام في لبنان يشعرون بالقلق، ولهذا يقول الشيخ ياسر انه يتم نقل الجريح الى المستشفى ليوم او يومين ثم ينقل الى مكان سري. وبعدها يعودون الى سورية لمواصلة المقاومة، ويقول ابو يازة انه سيعود بعد شفائه مع ان الوضع في حمص، كما يصفه، خطير فهناك دبابات منتشرة في الشوارع ومروحيات مزودة بمدافع تحلق في سمائها وهناك نقص في الطعام.
حاولوا اختطاف ابنته الرضيعة
وفي تقرير اخر تحدثت ‘التايمز’ عن اساليب الضغط التي تمارسها قوات الامن والاستخبارات على عائلات الناشطين، وقصة اسامة نصار وهو ناشط من اجل التغيير السلمي (حركة اللاعنف) حيث قالت ان ميمونة كانت مع طفلتها الرضيعة في بيتها في داريا – قرب دمشق وكانت تنتظر شقيقها صهيب كي يعود وعندما عاد حضر ومعه رجلان من الاستخبارات، وعندما فتحت الباب تقول ان احد الرجلين دفع الباب ودخل حيث وضع مسدسه على رأس ابنتها وسألها عن زوجها وعندما اجابت انه ليس موجودا، رد مهددا انه في حالة عدم الكشف عن مكان زوجها فانه سيحضر عددا من الرجال ليأخذوا رضيعتها رهينة.
وتقول ميمونة انها امسكت بابنتها بقوة وصرخت ‘عيب عليكم’، وعندها دخل الرجل الثاني واخذ هاتفها واخذ يفتش عن ارقام يمكن ان تدله على مكان زوجها، وعندما لم يجد هددها مرة اخرى بأخذ رضيعتها، وعندما لم ينفع التهديد اخذ شقيقها وقال لها ‘قولي لزوجك ان يسلم نفسه والا عاد شقيقك في كفن’. وتحدثت الصحيفة مع نصار من مخبئه عبر سكايب حيث قال انه غاضب وكان يتوقع هذه الاساليب من الامن وانه ليس مستغربا. ثم اضاف قائلا ان الامن يقوم باعمال ابشع مما حدث لابنته ويعتبر نفسه محظوظا لان ابنته نجت من ايديهم.
ويقول ناشطون ان 280 طفلا قتلوا منذ بدء الانتفاضة، وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان فان اطفالا تتراوح اعمارهم من 10 الى 13 عاما تعرضوا لرصاص الامن السوري. وقصة نصار عضو حركة اللاعنف ليست الوحيدة من نوعها فقد تعرض في ايلول (سبتمبر) الناشط غياث مطر المعروف بـ’غاندي الصغير’ للاعتقال وسلمت جثته لعائلته بعد اربعة ايام من اختفائه، فيما لا يزال مصير الناشط يحيى الشوربجي، غير معروف. وتعارض الحركة استخدام القوة من الامن والناشطين ويستخدمون اساليب خداع من اجل اظهار اثار العنف على المواطنين ففي المدينتين الصامتتين ـ دمشق وحلب – يقومون بوضع الصباغ الاحمر في مياه النوافير لاظهار حمام الدم الناجم عن المواجهة وفي مناسبة اخرى شجعوا المواطنين على تقديم الماء الى اعضاء الميليشيات من الشبيحة المتهمين باستهداف المتظاهرين. وتنقل عن نصار قوله انه ليس امامه اي خيار الا مواجهة الاخطار ضده وضد عائلته، ويضيف ان النظام حكم البلاد بالخوف كل هذه السنين وهي وسيلتهم ويقتلون ‘الشجعان والجبناء ومن الافضل ان اكون شجاعا’.