قال الصحفي المخضرم، بيل كوفاتش، إن تغطية أخبار حملات الانتخابات الأميركية للعام 2008 تدل على مفترق الطرق الذي تقف عليه الصحافة الأميركية الآن، وحث قطاع الصحافة على تأكيد دوره مجددا كوسيلة إعلامية تضطلع بمهمة نقل المعلومات التي تم التأكد من صحتها مع الاستفادة في نفس الوقت من العديد من فرص الاتصالات الجديدة المتاحة.
وتابع كوفاتش حديثه موضحا أن تغطية الانتخابات التي تتجاوز التقارير الإخبارية الأساسية حول ما يقوله ويفعله المرشحون قد تم التخلي عنها وتركها إلى حد كبير للناشطين السياسيين المؤيدين لمرشح ما الذين يبلّغون الناس كيف يفكرون وكيف يفسرون التصريحات الصادرة عن الحملات الانتخابية. وأكد كوفاتش، مدير مكتب صحيفة النيويورك تايمز في واشنطن سابقا والذي يشغل حاليا منصب كبير المستشارين في مشروع التميز في الصحافة "أن هذه ليست صحافة."
وقد جاء ذلك في حديث لكوفاتش يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر الجاري في واشنطن أمام مجموعة من الصحفيين من خارج الولايات المتحدة يشاركون في برنامج ترعاه وزارة الخارجية يتيح لهم الوصول إلى المناطق المتأرجحة التي تشكل ساحات تحتدم فيها معارك الحملات الانتخابية في عموم الولايات المتحدة لتغطية الانتخابات التي ستجري يوم 4 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وشدد كوفاتش على أن الغرض من وجود الصحافة هو تزويد جمهورها بالمعلومات الضرورية التي تمكنهم من اتخاذ القرارات المتنورة الواعية. وقال "إن ولاء الصحفيين وتفانيهم ينبغي أن يكون في المقام الأول نحو المواطن،" مستخدمين مبدأي التثبت من صحة المعلومات وعدم التحيز لتقديم "أقرب ما يمكن أن يكون إلى الحقيقة من معلومات يمكنهم اكتشافها وتطويرها."
وقال إن تغطية الانتخابات الأميركية لعام 2008 تبرز بشكل مميز وواضح سياسيين سابقين ومديري حملات انتخابية وغيرهم ممن لا يمكن أن يكونوا "صريحين تماماً في البوح بكل ما يعرفونه ولهم مصلحة في أن تكون نتيجة هذه الانتخابات لصالح هذا الطرف أو ذاك في هذه المعادلة."
وأضاف أنه بدلا من عرض رسالة صحيحة ومتوازنة يتم التحقق منها بشكل مستقل حول المواضيع التي يؤيدها المرشحان أو سرد محايد ونزيه لسجلهما وتاريخهما، "تجد أن صحافة اليوم يديرها في الواقع مؤيدون لهذا الجانب أو ذاك، وهذا يتناقض تماماً مع دور الصحفيين."
وقال كوفاتش إنه نتيجة لذلك فقد بات أقل تيقناً من أنه يعرف حقا ما يعنيه وجود حكومة برئاسة جون ماكين أو باراك أوباما مقارنة بما اكتسبه من معرفة حول الحكومات المحتملة الأخرى من تغطية الحملات الرئاسية السابقة.
وقال إنه على الرغم من أن الصحفيين الذين يدققون في صحة ما يرد في تصريحات المرشحين ويتحققون منها قد "قاموا بعمل أفضل مما شهدناه في أي وقت مضى،" إلا أن مجهودهم ليس له نفس التأثير الذي كان للعمل الذي كانوا يقومون به في السنوات السابقة لأن الحملات تواصل معاودة نشر التصريحات وتكرارها بعد أن يكون قد تم كشف خطأها، وتقوم وسائل الإعلام بتكرار نشر هذه المعلومات المضللة بدون إيراد المعلومات التي وفرها من قاموا بتقصي الحقائق.
وقال كوفاتش "إنني لا أفهم هذا. إن ذلك ليس مجرد كسل ولكنه الحماقة بعينها."
البحث عن الصحافة الممتازة
قال كوفاتش إنه وغيره من المراقبين منذ فترة طويلة لوضع الصحافة الأميركية يشعرون بالانزعاج بسبب الوضع الراهن، وأوضح أنهم يعتزمون تنظيم اجتماعات مع الصحفيين والأكاديميين "لبدء بعض المناقشة الجادة" حول محاولة الحصول على تغطية سياسية تركز على مسؤوليات الصحافة الرئيسية وتبتعد "عن هذا السبيل الذي يجرهم إليه سعيهم لكسب أكبر عدد من القراء والمشاهدين."
وأشار إلى أن الضغوط المالية لاستقطاب المزيد من الإيرادات من الإعلانات أجبرت وسائل الإعلام على تبني هدف أساسي لها وهو التمكن من جذب أكبر عدد من المشاهدين والقراء. وهذا يعني زيادة التقارير التي تتضمن معلومات "خفيفة" تجتذب جمهوراً كبيراً والتقليل من التقارير القاسية التي تصب في صلب الموضوع ولكنها مملة وغير مسلية والتقارير الإخبارية التي قد تسيء إلى البعض وتنفرهم من الشبكة الإخبارية التي تخسرهم كمشاهدين للإعلانات التي تبثها. (أنظر ما جاء في المدونة الألكترونية تحت عنوان" طفيلي يلتهم حاضنة، الجزء 2- ما الذي يحدث لتغطية أنباء الانتخابات؟"، على موقع أميركا دوت غوف، باللغة الإنجليزية)
وقال كوفاتش إن الضالة المنشودة للصحافة المعاصرة هو "نموذج اقتصادي يدعم وجود صحافة جيدة على الإنترنت."
وأضاف أن هذا يعد أمرا يجب القيام به في أقرب وقت وعلى أفضل وجه ممكن، مشيرا إلى أن آلية الاتصالات الجديدة التي تسمح بها شبكة الإنترنت هي آلية قوية جدا، ويمكن أن تقدم "معلومات وافية وأكثر دقة وعمقا وتوثيقا مما كان ممكناً في أي وقت مضى." ولكن هذه الآلية المتاحة على الشبكة تخلق في الوقت ذاته الكثير من الحيرة والبلبلة وتتيح تحريف المعلومات.
وذهب إلى القول "يتعين على الصحافة، إن آجلاً أو عاجلاً، أن تعود إلى رشدها وتستأنف تحمل المسؤوليات المناطة بها وهي خدمة الشعوب والجماهير وإلا فإننا سوف نسلم أمرنا إلى أقلية تتحكم فينا وتقول لنا كيف ينبغي أن نفكر وماذا نفعل وكيف نفعل ذلك." وشبّه ذلك بالوضع الذي كان سائدا في أوروبا قبل القرن السابع عشر وقبل عصر التنوير، حين لم تكن أفكار وآراء عامة أبناء الشعب تؤخذ بعين الاعتبار ولم يكن لديهم معلومات يمكنهم التعويل عليها وتكوين أفكارهم على أساسها."
وقال إنه ينبغي أن يسعى الصحفيون إلى إيجاد أرضية وسط من المعلومات التي تم التحقق من صحتها في وسط هذا الخضم من الجمهور المستقطب جداً والمحبط جدا.
وأكد أنه "يجب علينا أن نبقي على تدفق قوي وعميق وواضح من المعلومات التي تم التحقق منها وتوثيقها والتي تقول لمتلقيها "كلا، إن هذا ليس وجهة نظري، إنه ما أعرف، وهذه هي الطريقة التي حصلت بها على هذه المعلومات."
وخلص إلى القول "نستطيع أن نستحدث مثل هذا النوع من الصحافة بواسطة هذه التقنية الجديدة، في حال استطعنا العثور على القاعدة الاقتصادية التي ستدعم هذا المجهود."