ظروفهم في عرسال تدفعهم للعودة إلى سوريا
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن العديد من اللاجئين في عرسال، بلدة حدودية في شمال شرق لبنان أُخرجت منها مؤخرا الجماعات المسلحة، يواجهون ضغوطا للعودة إلى سوريا. عاد بعضهم بالفعل إلى سوريا بسبب الظروف القاسية في عرسال. وجدت هيومن رايتس ووتش إثر زيارة مؤخرا إلى عرسال أن العديد من اللاجئين ليست لديهم وثائق إقامة قانونية، بالإضافة إلى وجود قيود على حرية تنقلهم، وخوفهم من الاعتقالات العشوائية على ما يبدو خلال أي مداهمة للجيش. على السلطات اللبنانية إعطاء الأولوية لاستعادة الخدمات وحماية المدنيين هناك، بعد المداهمات العسكرية والاتفاقات التي تم التفاوض عليها ودفعت مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا باسم “داعش”) و”جبهة النصرة” إلى الخروج من المنطقة.
قال نديم حوري، مدير قسم الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش: “زادت أوضاع عرسال سوءا إلى درجة أن لاجئين كثر عادوا إلى منطقة حرب. لدى السلطات اللبنانية مهمة صعبة متمثلة في الحفاظ على الأمن في عرسال، لكن بعد إخراج داعش والنصرة، من الضروري تحسين الخدمات وحماية المدنيين”.
قال السوريون الذين غادروا عرسال إلى إدلب لـ هيومن رايتس ووتش إنهم عادوا إلى سوريا بسبب الوضع في عرسال، بما في ذلك مداهمات الجيش لمخيمات اللاجئين، عدم امتلاك الغالبية إقامات قانونية، الخوف من الاعتقال والاحتجاز، القيود المفروضة على حركتهم، وفرصهم المحدودة للحصول على التعليم والرعاية الصحية. لم تجد هيومن رايتس ووتش أدلة على عمليات إعادة قسرية مباشرة، لكن جميع من تمت مقابلتهم قالوا إنهم غادروا بسبب الضغوطات لا طوعا.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على لبنان ضمان تمكين اللاجئين من تنظيم وضعهم القانوني والتمتع بحرية التنقل والحصول على المساعدات الإنسانية. يجب أن تحترم الإجراءات الأمنية حقوق المدنيين في عرسال.
تستضيف عرسال حاليا ما يقدر بنحو 60 ألف سوري، فضلا عن سكانها اللبنانيين البالغ عددهم 38 ألف نسمة، بحسب البلدية. يبسط الجيش اللبناني سيطرته الصارمة على عرسال منذ مهاجمة داعش والنصرة البلدة عام 2014، ويقيّد الوصول إلى البلدة من وقتها. استعاد الجيش السيطرة على المدينة بسرعة، لكن بقي مقاتلو داعش والنصرة في المناطق المحيطة بعرسال إلى أن انتهت الحملات الأخيرة للجيش اللبناني و”حزب الله” بمفاوضات أدت إلى صفقات عاد فيها المسلحون وأسرهم وكذلك مدنيون غير مرتبطين بهم إلى سوريا.
عاد حوالي 10 آلاف سوري إلى سوريا من عرسال منذ يونيو/حزيران، بحسب البلدية. يعود ذلك إلى حد كبير إلى اتفاقات تفاوض عليها حزب الله. دخلت هيومن رايتس ووتش عرسال في سبتمبر/أيلول، بإذن من السلطات اللبنانية، لمقابلة السوريين وتقييم الأوضاع مباشرة. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 19 لاجئا داخل عرسال و5 سوريين عادوا إلى سوريا عبر الهاتف.
قال طبيب عاد إلى إدلب: “عندما غادرنا [عرسال]، كنا مجبرين. لم تكن مكاننا. كنا دائما مضطهدين هناك. مصيرنا كان إما الاعتقال أو الموت أو العيش في قلق دائم. لهذا السبب غادر معظم الناس؛ بسبب الاضطهاد”.
قال السوريون إن عدم امتلاك أغلبهم إقامة قانونية كان عاملا في قرار الكثيرين العودة إلى سوريا. قال 9 من أصل 19 إن لا إقامة قانونية لديهم، وإن الرجال على وجه الخصوص يخشون الاعتقال على يد “الأمن العام” لدى محاولتهم تجديد إقاماتهم. لا يمكن للسوريين من دون الإقامة التنقل بسهولة خوفا من الاعتقال، ما يؤثر على فرصهم بالعمل والرعاية الصحية وتسجيل الولادات والزواج. تقدر منظمات الإغاثة افتقار 70 – 80 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان إلى وضع قانوني. يقدّر عدد اللاجئين ممن ليس لديهم إقامة قانونية بنحو 1.5 مليون لاجئ.
قال 8 سوريين في عرسال إنه تم اعتقالهم أو اعتقال أحد أفراد أسرهم لدى محاولة تجديد الإقامة، وإن السلطات احتجزت أطفالا تصل أعمارهم إلى 9 سنوات. عرض أحد ممثلي المخيمات على هيومن رايتس ووتش قائمة تضم 222 شخصا حاولوا تجديد إقامتهم لكن احتفظ الأمن العام بهوياتهم لفترات تتراوح بين سنة في أقلها و3 في بعضها.
قال سوريون إنهم يخشون أن يعتقلهم الجيش في مداهماته الأمنية المتكررة لمخيمات اللاجئين في عرسال. قال كثيرون إنهم يرون الاعتقالات “عشوائية”، ويخشون من إمكانية اعتقالهم في أي وقت. قال العديد منهم إن المداهمات الجماعية التي وقعت في يونيو/حزيران، والتي أسفرت عن اعتقال أكثر من 350 سوريا ووفاة 4 منهم خلال احتجازهم لدى الجيش وسط أدلة على التعذيب، خلق شعورا بالخوف وساهم في قرار الأُسر بالعودة. دعت هيومن رايتس ووتش الجيش إلى نشر تحقيقاته حول الحادث، لكنه لم يفعل. قال قادة المخيم إنهم لا يزالون لا يعرفون مكان بعض المحتجزين.
قال أحد قادة المخيم في عرسال: “لست ضد الجيش. سندخل معهم إن أرادوا دخول المخيمات، نريد التعاون مع الجيش اللبناني”.
قال سوريون في إدلب إنه لم تكن لديهم معلومات واضحة عن وضع هذه المنطقة قبل عودتهم إلى سوريا. ليس لـ “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” وجود دائم في عرسال، لم تشارك في تسهيل العودة إلى سوريا، ولم تقابل السوريين قبل مغادرتهم لتقييم ما إذا كان رحيلهم طوعيا. لم تصدر المفوضية تقييما عاما عما إذا كانت عمليات العودة طوعية.
قال أحد الرجال الذين عادوا إلى إدلب: “كانت إقامتنا في عرسال في خوف وكنا نعيش في المجهول. كان رحيلنا في خوف وإلى المجهول. كانت رحلتنا في الخوف وعبر المجهول. كنا نسأل عن الضمانات ولكن لم يقل أحد لنا ما هي. … كنا في عذاب نفسي. إنه القرار الأكثر صعوبة: البقاء في المجهول أو الذهاب إلى المجهول”.
قال معظم السوريين الذين تمت مقابلتهم إنهم كانوا يفضلون البقاء في لبنان لو شعروا بالأمان.
قال سوريون لا يزالون في عرسال إنهم أيضا شعروا بضغوط لمغادرة المكان. قال أحدهم: “يضغط الجيش علينا، ويضغط الأمن العام علينا، ويضغط السكان هنا علينا. بات الوضع هنا غير مقبول”. لكن بينما قال البعض إنهم سيبحثون في العودة بموجب اتفاق دولي، قالوا جميعا إنهم يفضلون البقاء في لبنان لو تحسنت الظروف، إلى أن تصبح العودة إلى سورية آمنة.
قالت امرأة: “أريد العودة إلى وطني بشرف، والعودة إلى بيتي، وليس تحت الضغط [إلى إدلب]”.
رغم أن لبنان لم يوقع على “اتفاقية اللاجئين لعام 1951″، فهو ملزم بمبدأ عدم الإعادة القسرية الوارد في القانون الدولي العرفي، وعدم إعادة أي شخص إلى مكان يمكن أن يتعرّض فيه للاضطهاد أو التعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة، أو تكون فيه حياته مهددة. لبنان ملزم أيضا بموجب اتفاقية “مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” بعدم إعادة أي شخص إلى بلد يتعرض فيه لخطر التعذيب أو سوء المعاملة.
تحدث الإعادة القسرية ليس فقط عندما يتم طرد أو رفض طلب لجوء بشكل مباشر، وإنما أيضا عندما يكون الضغط غير المباشر قويا لدرجة أنه يدفع باللاجئين إلى الاعتقاد بأن ليس لديهم أي خيار عملي سوى العودة إلى بلد يواجهون فيه هذه المخاطر أو التهديد لحياتهم وسلامتهم.
تأتي العودة إلى سوريا بعد نداءات متشددة من قبل السياسيين اللبنانيين لعودة اللاجئين إلى سوريا. في يوليو/تموز، دعا الرئيس ميشال عون إلى العودة الآمنة، لا العودة الطوعية. تعتبر محافظة إدلب “منطقة تخفيف تصعيد”، استنادا إلى اتفاق بين بعض الأطراف المتحاربة في كازاخستان في مايو/أيار، ولكن لا يمكن اعتبارها آمنة للعودة. قالت هيومن رايتس ووتش إن التجارب الدولية برهنت أن “المناطق الآمنة” نادرا ما تظل آمنة.
قال حوري: “مع رحيل داعش والنصرة من عرسال، على لبنان الإدراك أن ليس من مصلحته أن يخشى اللاجئون التعامل مع الأجهزة الأمنية، كما عليه إعادة تقييم سياسته الأمنية. على لبنان ضمان أن يستطيع السوريون الحصول على إقامة قانونية، وأن العمليات الأمنية تحترم سلامة وأمن اللاجئين المقيمين في عرسال”.
المصدر: هيومن رايتس ووتش