شرّدناه في حياته… ونغتاله بعد رحيله
صحيفة “الأخبار”: عماد استيتو
الرباط | باتت الرقابة تنفذ حتى إلى التوابيت، ولغة المنع تصل حدّ حظر أعمال مبدعين ودعوا الدنيا وضجيجها. والمثال الأخير (وليس الوحيد) على ذلك، ما تفجّر حول قضيّة اختفاء رواية «المعركة الأخيرة للكابتن نعمت» للروائي الراحل محمد لفتح. الجهات الحكومية في المغرب لم تبدِ أيّ مبررات موضوعية حول حجب الرواية، رغم أنّ مصادر مقرّبة من وزارة الثقافة أكدت أنّه لا قرار منع رسمياً! وزارة الاتصال المغربية لا تجيب عن استفسارات كثيرة وردت إليها من وسائل الإعلام وفاعلين في المشهد الثقافي… فالأمر ليس من أولوياتها. الصحافي هشام فهمي كتب في جريدة «الشروق» المغربية أنّه اتصل بوزير الإعلام المغربي خالد الناصري مستفسراً عن أخبار منع دخول الرواية إلى الأراضي المغربية بسبب جرأتها، فكان رد الوزير المغربي بالحرف: «أنا أهتمّ بالقضايا الكبرى للبلد لا بالتفاهات»، ثمّ أغلق الهاتف.
في رواية «المعركة الأخيرة للكابتن نعمت»، يمزج محمد لفتح بين اللذة المتقدة والتشاؤم. يقتحم عوالم الطبقة البورجوازية القاهرية، ليكشف عن طابعه التقليدي المحافظ معتمداً أسلوباً أدبياً يجمع الشاعرية والصرامة معاً، في محاولة لإدانة ثقافة اللاتسامح، بنبرة مأساوية، تغدو صلاة جنائزية.
تتقلّب حال الكابتن نعمت بين الفصول الثلاثة للرواية بين الاضطراب والحب والسعادة، لينتهي إلى مآلٍ حزين عنوانه السقوط والانحطاط. بعد عيشه حلمه «الغلماني»، وخوضه في المحرّمات في ما يشبه «عودة المكبوت»، مع خادمه النوبي ومع مدلك النادي، تطلب زوجته ميرفت الطلاق. يغادر الكابتن منزله الراقي بعد تهديدات من متطرفين بتصفيته بسبب ميوله المثليّة، لينتهي في عزلته عجوزاً مدمناً الكحول.
من خلال الرواية، يحاول لفتح إجراء فحص للمجتمع المصري ويسائل البورجوازية المصرية المهزومة العاجزة عن إحداث تغيير حقيقي في بنية المجتمع. تاريخ مليء بالتردد والخيانة والرضى بالحلول الوسط والانهزامية.
من تعودوا أن يقرأوا لمحمد لفتح الذي بالكاد يعرفه المغاربة، لم تفاجئهم جرأة الرواية، وقفزها فوق المحرّمات… إنّها رحلة الكابتن نعمت الأخيرة، وآخر حروبه الدونكيشوتية الخاسرة.
الشاعر والإعلامي المغربي الزميل ياسين عدنان قال لـ«الأخبار»، تعليقاً على المنع: «طيف لفتح بهمسه المهذب يحاصرني ونحن نحكي عن مغرب حرّ نستحقه ويستحقه لفتح في الحضور والغياب». وأضاف: «لقد تذكرت كيف كان مهتماً بأن يقرأ في المغرب، وكان سعيداً لأنّنا اكتشفناه ولو متأخرين في المغرب متحمّساً للمزيد من العودة إلى الحضن الثقافي المغربي (…) لذلك نرفض رفضاً قاطعاً أن يقتل لفتح من جديد نرفض أن يغتال صوته وتغتال حياته الأدبية ميتاً بعدما شرّدناه حياً».