مراسل «سكاي».. الرجل الذي فضح نظام الأسد
“الشرق الأوسط”- لندن: محمد الشافعي
ستيوارت رامزي كبير مراسلي شبكة «سكاي نيوز» البريطانية رجل يعشق مهنة المتاعب، فهو لا يعرف الراحة ولا طعم الإجازات، دائما على خط النار ومكانه الطبيعي في موقع الأحداث الساخنة، فقد غطى من قبل تسع حروب من الشيشان إلى دارفور إلى أفغانستان، ويعرف رامزي الذي انتقل إلى العمل التلفزيوني بعد العمل سنوات طويلة في الصحف اليومية المطبوعة فقط أن يكون في موقع الحدث، ويعمل رامزي في محطة «سكاي» منذ نحو 20 عاما، فقد سجل أمام الملايين مقتل بي نظير بوتو، رئيسة وزراء باكستان الراحلة، وكذلك جنازة أبو عمار ياسر عرفات الزعيم الفلسطيني، وقبل أن يذهب رامزي إلى سوريا متخفيا عبر الحدود من لبنان مع فريقه التلفزيوني الصغير، ليفضح عنف نظام بشار الأسد ضد المدنيين الآمنين؛ بالصوت والصورة، كان في قلب الربيع العربي أيضا في مصر، مسجلا بكاميرات «سكاي» موقعة «الجمل» في ميدان التحرير. وأكد رامزي لـ«الشرق الأوسط» أن الأسد يستخدم «ميليشيا الشبيحة» لمهاجمة معارضيه والمحتجين ضده، وقال إنه قضى في سوريا 6 أيام، منها أربعة أيام في حمص، لم يجفل له فيها جفن، ولم يعرف فيها طعم الأمن والأمان، مثل جميع السوريين الذين رآهم وتحدث إليهم نساء وشيوخا وأطفالا، الجميع يعلمون أن الموت على أيدي «الشبيحة» مقبل، لا ريب فيه.
ويقول: «المباني مهدمة ونقاط التفتيش العسكرية في كل مكان، وهناك 260 نقطة تفتيش تحاصر حمص؛ 42 في دائرة بابا عمرو، قلب هذه الثورة المتأججة، حيث مكثنا طوال رحلتنا داخل سوريا. ما بدأ كثورة سلمية تحول لحرب منظمة ضد المدنيين».
وجاء الحوار على النحو التالي:
* هل لك أن تعرّف قراء جريدة العرب الدولية بك؟ وكيف دخلت مجال الصحافة؟
– أعتقد أنني سرت على درب تقليدي ممهد نحو عالم الصحافة، حيث لم أكمل دراستي الجامعية وعملت في صحيفة صغيرة في ويلز حيث ولدت. واستمررت في العمل هناك أتعلم المهنة كصحافي تحت التدريب، وانتقلت إلى لندن للعمل لدى وكالات أنباء وصحف قومية مثل الـ«تايمز» والـ«صن». وكان لدي صديق يعمل في التلفزيون رتب لي مقابلة مع شركة تسمى «تي في إم». واتفقت على تقديم برنامج تلفزيوني صباحي، وبعد أن عقدوا اتفاقا مع «سكاي نيوز» يقضي بتقديم برامجها الإخبارية، انتقلت إلى هناك وظللت هناك إلى اليوم، حيث أكملت عشرين عاما.
*هل كنت مهتما بالشرق الأوسط قبل الربيع العربي أم أن الثورة أثارت اهتمامك؟
– بحكم عملي مراسلا صحافيا لأكثر من 25 عاما، من المستحيل أن لا أهتم بالشرق الأوسط، حيث قضيت جزءا كبيرا من حياتي المهنية هناك. لقد حالفني الحظ في «سكاي نيوز»، حيث تمكنت من العمل في عدد من الدول، مثل روسيا والولايات المتحدة وأفريقيا وباكستان وأفغانستان ودلهي ودبي. لقد اعتاد أمثالي من المراسلين الصحافيين على تغطية الأخبار في مناطق ربما لا يحبونها، فقد عملت لفترة طويلة في إسرائيل وغزة والضفة الغربية والعراق والأردن، فضلا عن دول أخرى. مع ذلك بداية عام 2011 ومع الربيع العربي بات واضحا لي أنني أقضي وقتا كبيرا في تغطية أحداث مهمة في المنطقة، حيث اندلعت الشرارة الأولى في تونس ثم مصر والبحرين واليمن وليبيا وسوريا، أعتقد أننا كلنا نحاول جاهدين التأقلم مع التغيرات الجذرية التي حدثت ونستهلك قوتنا البدنية لتغطية كل هذه الأخبار. على سبيل المثال، لقد تركت منزلي في دلهي خلال الأسبوع الثاني من يناير (كانون الثاني)، وعدت في مايو (أيار).
* كيف جاء قرار التوجه إلى سوريا متخفيا؟
– لقد كنت أتقدم بطلبات للحصول على تأشيرة للدخول إلى سوريا لتغطية الأحداث، لكنها كانت تُرفض، على عكس ما قد تقوله الحكومة السورية. لقد سافرت إلى هناك مرتين متخفيا. كانت المرة الأولى منذ بضعة أشهر عندما بدأت تركيا تواجه أزمة اللاجئين، لكن مع مرور الأشهر شعرنا أننا لن نحصل على قصة حقيقية وكنا بحاجة إلى نرى بأنفسنا ما يحدث في المدن التي تقود الاحتجاجات. لذا رأينا أن مدينة حمص هي أنسب مدينة وقررنا الدخول إليها. ربما يكون الأمر مبتذلا، لكنني أعتقد أن وظيفتي هي مشاهدة الأحداث ونقلها للعالم، ولهذا قررت الذهاب إلى سوريا. يمكنني القول إن صور المدنيين الذي يتم إطلاق النيران عليهم وهم يشترون الخبز دليل على أننا كنا محقين في ذهابنا.
* كم كانت مدة إقامتك في بيروت؟ وما الذي توصلت إليه من خلال تجربتك هناك؟
– كانت بيروت نقطة تمركزنا، حيث كنا نتحدث مع سوريين فروا من بلادهم. لقد منحتنا لبنان الفرصة للتحدث مع هؤلاء الناس الذين كانوا على استعداد للتضحية بحياتهم لمساعدتنا. لقد مكثنا هناك لثلاثة أسابيع.
* كم كانت مدة إقامتك في سوريا؟
– لقد كنت في حمص لأربعة أيام، لكنني قضيت نحو ستة أيام في الأراضي السورية.
* هل ساعدك أي من النشطاء هناك؟
– لقد تعاونت شبكة النشطاء مع جيش سوريا الحر معا لمساعدتنا في التجول والعثور على أماكن إقامة آمنة. لقد كان ذلك خطرا عليهم ونحن شكرناهم كثيرا على ما قدموه لنا من مساعدة، ولولاها لما كنا تمكنا من إنجاز عملنا.
* هل يمكنك إطلاع القارئ العربي على قليل مما شاهدته من عنف هناك؟
– لقد كان هناك مواجهات كثيرة، فقد كان هناك معارك متفرقة بين القوات التابعة للنظام والجيش السوري الحر في محيط نقاط التفتيش التي كانت تتحول إلى ساحات قتال شرس على الأرض. كانت مدن مثل حمص تتعرض أحيانا إلى قصف من القوات التابعة للنظام، مما كان يجبر الرجال والنساء والأطفال على الاختباء في منازلهم وأقبيتهم. لقد شاهدنا قناصة يستهدفون السوريين المصطفين من أجل شراء طعامهم، لقد رأينا رجالا ونساء مصابين بطلق ناري محدد في رؤوسهم وأجسادهم، وهو ما يدل على أنه من أسلحة قناصة. وقد تم إطلاق النار أثناء محاولتنا للهروب من المدينة عندما بات من الواضح أن قوات النظام تتحرك نحو حمص. أسوأ ما في الأمر هو الألم الذي يعانيه الأطفال. لقد بات إيقاع الحياة اليومي العادي من الماضي. ولم تعد المدارس مفتوحة الأبواب، وأصوات إطلاق النيران لا تتوقف.
لقد قابلت أسرة لديها أربعة أطفال وقتل الشبيحة أباهم أثناء توصيلهم للمنزل. وكانت أمهم ترتدي ثياب الحداد، وبدت عليهم الحيرة وقلة الحيلة.
* هل شاهدت أيا من انتهاكات لحقوق الإنسان؛ سواء من جهة النظام أو آخرين أم كان من الأسهل التعرف على القصص الإنسانية؟ وهل لك أن تعطي لنا مثالا يوضح خلاصة التجربة؟
– يمكنني القول إن الهجوم على صف من مدنيين يشترون الخبز هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان. وكذلك تجمع الدبابات ونقاط التفتيش حول المدينة لمنع الناس من المطالبة بحقوقهم انتهاك لحقوق الإنسان.
* لقد قال بشار الأسد لباربرا والترز إنه لم يكن مسؤولا عن ممارسات الجيش، وإن إحصاءات الوفيات التي ذكرتها الأمم المتحدة غير صحيحة.. ما رأيك في ذلك؟
– لا يهم من أصدر الأوامر. إذا كان الأسد لا يعرف ما يحدث أو ينفي تورطه في هذه الأحداث، فهو غير كفء وينبغي أن يتنحى، إذا كان يعرف أنه مذنب. إن إحصاءات الأمم المتحدة غير صحيحة بالفعل، فهي أقل من الواقع.
* في رأيك، ماذا ستكون نهاية الوضع في سوريا؟
– من الصعب التكهن بما سيحدث. يريد المتظاهرون فرض منطقة حظر جوي ومناطق عازلة يبسطون سيطرتهم عليها، لكنهم لن يحصلوا على ذلك. وما زال النظام يجمد موقف جامعة الدول العربية، ولم يتم فرض عقوبات حتى هذه اللحظة، لكنها ستفعل. يمكن للجيش أن يضع نهاية لما يحدث إذا قرر التوقف عما يقوم به من ممارسات، لكن لا يبدو هذا قريبا، وربما تظل قوات الأمن التابعة للنظام تنكل بالمتظاهرين لأشهر. أشك في أننا بعيدون كثيرا عن انفراجة.
* هل تعتقد أن «الربيع العربي» قد أحدث فرقا باتجاه تحويل الشرق الأوسط إلى ديمقراطية؟
– إنها تغيرات جذرية وثورية، لكن التغير الجذري الحقيقي لم يحدث بعد ولم تظهر ثماره، لكن الثورات ما زالت في مهدها. وتعاني كل من تونس ومصر من مشكلات كبرى كما نرى. وما زال أمام ليبيا مشوار طويل، لكن الأوضاع ستصبح أفضل. التغيير يحدث ومن المثير أن ننقل ما يحدث على أرض الواقع بصدق، وقد أسعدني وأفادني كثيرا مقابلة هذه المجموعة الرائعة من أبطال الثورات العربية.
* صف لي الأجواء التي أحاطت بـ«موقعة الجمل» في ميدان التحرير؟
– يا له من يوم. لن أنسى هذا اليوم ما حييت، كنت في الميدان منذ أيام، ولكني قررت الرحيل ووقع نظري على مجموعة صغيرة من المؤيدين لمبارك على كورنيش النيل في القاهرة، وازداد عددهم فجأة، وانضممنا لمؤيدي مبارك الذين اجتاحوا الميدان. ونظرت إلى المعارضين للحكومة وكان يبدو عليهم الإرهاق والشعور بالهزيمة، لأن ثورتهم كانت في خطر. ولكنهم جمعوا أنفسهم مرة أخرى وهاجموا، وسرعان ما تحول الأمر إلى معركة هائلة بالحجارة، حيث استعاد معارضو الحكومة الميدان وأجبروا مؤيدي مبارك على الخروج منه، وسمعنا صراخا في الوقت الذي كانت تجري فيه مفاوضات. وصرخ المنتج نيفيل لازوروس قائلا: «أوه يا إلهي ستيوارت. إنه هجوم مفاجئ». واندفعت الجمال والخيول من خلال الحشود على المتظاهرين، قبل أن يتم اعتراضهم والهجوم عليهم. كان أمرا لا يُصدق، وبداية يومين من القتال العنيف الذي خلف عشرات القتلى والجرحى. وفي غضون بضع ساعات، كانت القاهرة تحترق.
* ما رأيك في الجيل الشاب الذي أخذ زمام المبادرة في الثورات العربية؟
– في الواقع، يعد الشباب هو الجانب الأهم في «الربيع العربي». لقد كانت تجربة ملهمة ورائعة ومفيدة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. لقد قابلت أشخاصا على استعداد للمعاناة لا أكثر ويقولون في صوت واحد: «كفى». وكنت معجبا بهم للغاية. لقد جاء الرجال والنساء من جميع أنحاء البلاد من جميع الفئات العمرية بهدف إحداث تغيير، وقد احتضنونا كغرباء وساعدونا وتحملوا مخاطر كبيرة. إننا نبث رسالتهم، وأنا أعرف أن ذلك مفيد بالنسبة لهم. والتقيت بالكثير من الشباب والفتيات وكونت صداقات معهم وكانوا رائعين في حقيقة الأمر. إنها حركة نهضة أخلاقية وثقافية.
* عملت كمراسل في أفريقيا والولايات المتحدة وموسكو وآيرلندا.. أي مكان تفضل؟
– إنه لمن دواعي سروري أن أقوم بهذا العمل، وكل مكان عملت به له مذاق خاص، ولكن عملي كمراسل لأول مرة في موسكو كان له ذكريات خاصة، وما زلت أتذكر الشعور بالنشوة والاضطراب عندما عملت لأول مرة أمام المباني السوفياتية الضخمة، وتحت ظلال جامعة موسكو على إحدى التلال المطلة على الفندق الذي يوجد به مكتبنا. وعلاوة على ذلك، من الممتع أن تعمل في دبي، كما أن عملي في «الربيع العربي» ما زال يسيطر على حياتي المهنية.
* هل تشعر بأن البث التلفزيوني أفضل من العمل في الصحف؟ ولماذا؟
– ما زلت أكتب كثيرا من المقالات الصحافية، كما أنني أكتب للموقع الإلكتروني لـ«سكاي» بطبيعة الحال. تسمح الصحف بقدر أكبر من التحليل، أما التلفاز فيتميز بسرعة تأثيره على المشاهدين وحتى على الحكومات.
* ما النصيحة التي تود أن توجهها للصحافيين والمذيعين المبتدئين؟
– أقول لهم: لا تتوقفوا أبدا عن التعلم وتحسين عملكم، ولا تقوموا أبدا باختلاق القصص والأخبار، ولا تنسوا أن مهمتكم هي نقل الحقيقة والقيام بدور الشاهد لأولئك الذين لا يستطيعون رؤية الأحداث، وأولئك الذين لا يمكنهم إيصال صوتهم.