جهات عدة انتقدت التعيينات الجديدة في المؤسسات الإعلامية الرسمية جدل في تونس بالتزامن مع عودة بعض الوجوه القديمة الى المشهد الإعلامي من جديد
(رويترز) تونس: عبد الباقي خليفة
يتنامى الجدل في تونس حول حرية الإعلام واستقلاليته، وسط اتهامات متبادلة بين الحكومة الجديدة، وبعض الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، وذلك تزامنا مع الذكرى الأولى للثورة. وهو جدل فريد من نوعه، إذ يطرح ولأول مرة سؤال عن مدى استقلالية الصحافي العامل في المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة، قبل الحديث عن التعيينات الجديدة والحرية المطلقة التي تطالب الحكومة بتأمينها للصحافي وللمؤسسات والجمعيات الصحافية؟ وقد تحول جدل الصالونات يوم الاثنين الماضي إلى اعتصام أمام مقر الحكومة التونسية، احتجاجا على التعيينات الجديدة، التي طالت وكالة «تونس أفريقيا للأنباء»، والشركة الجديدة للطباعة والصحافة والنشر، ومؤسسة التلفزة التونسية بقناتيها الأولى والثانية، رغم عدم وجود اتفاق على الأسماء المقالة، وشغور الكثير من المناصب الإعلامية الرسمية.
وأصدرت الكثير من الجهات الإعلامية بيانات صحافية تنتقد التعيينات الجديدة، ومنها بيان «مركز تونس لحرية الصحافة» وقعه رئيسه محمود الذوادي، ركز فيه على ماض الشخصيات التي تم تعيينها مؤخرا، والتي كانت تتولى مسؤوليات إعلامية في عهد الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، ضمت التعيينات على سبيل الذكرلا الحصر، محمد نجيب الورغي رئيسا مديرا عاما لدار «لابراس»، وهو نفس المدير الذي كان يرأس إدارة صحيفة الحزب الحاكم السابق المنحل وعرف بولائه الشديد للنظام البائد وبكتاباته الملمعة لصور الديكتاتور الفار، كما ضمت التعيينات الصادق بوعبان مديرا للقناة الوطنية الأولى.. كان محل ثقة النظام البائد لسنوات، حيث عينه مديرا لقناة (7)، وضمت أيضا تعيينات عدنان خذر مهندس الحملة الانتخابية للديكتاتور المخلوع سنة 2009 مديرا عاما لقنوات التلفزيون، وقد أعرب المركز عن استنكاره للتعيينات الجديدة ودعا لفتح تحقيق في ملفات الفساد بالمؤسسات الإعلامية في العهد البائد وطالب بالتراجع الفوري عن التعيينات الجديدة، ورأى أن التعيينات تتناقض مع اعتبار الحكومة الجديدة «الإعلام مرفقا عاما والصحافة سلطة رابعة…».
كما أعربت «الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال» المنتهية مهمتها، بالتعيينات الصادرة في 7 يناير (كانون الثاني) الحالي، على رأس عدد من المؤسسات الإعلامية الرسمية، مستغربة «مثل هذه القرارات في اتجاه معاكس لما هو معمول به في الأنظمة الديمقراطية». وأعربت الهيئة عن مخاوفها من إعلام موجه، في حين اعتبر الكثير من المراقبين أن «الإعلام الرسمي الحالي موجه ولكن من قبل تيار هيمن على الساحة الإعلامية، ولم يساهم في إبراز تعددية المشاهد السياسية والثقافية والآيديولوجية بالبلاد»، وقالت رئيسة نقابة الصحافيين التونسيين في ما معناه، إن رياح الثورة لم تمر على الإعلام الرسمي بعد.
الجدل طال نقابة الصحافيين، حيث أعرب عدد من الصحافيين مثل عادل الثابتي، عن اختلافهم مع زملائهم بسبب تغيير مكان الاحتجاج الذي حضره نحو 120 صحافيا، مؤكدين بتعبير الثابتي على أن «التناقض الرئيسي الذي يهم قطاع الإعلام والصحافيين بالخصوص اليوم ليس مع الحكومة وإنما مع تركة الاستبداد في القطاع ومع المتحكمين في الوضع المادي والمعنوي للصحافيين، وخاصة أصحاب المؤسسات الخاصة الذين يستغلون الصحافيين وخاصة الشبان منهم». ومما جاء في بيان بهذا الخصوص «إن حرية التعبير تواجه مخاطر ليس من الجهات الرسمية بصفة أساسية، وإن كانت هذه الجهات لا تحسن التعامل مع القطاع، بل من اللوبيات الغامضة التي تتحكم في المشهد الإعلامي والتي من – أؤكد – مهمات الصحافيين كشفها».
كما أن هذه المخاطر «تتأتى من إعادة رموز الفساد في القطاع الإعلامي في العهد السابق التموقع من جديد وفتح وسائل إعلام جديدة». وقدمت مجموعة من الإعلاميين والناشطين في المجتمع المدني، مثل مختار الطريفي، وكمال العبيدي، وصلاح الدين الجورشي، مذكرة إلى المجلس التأسيسي (217 عضوا) يدعون فيه «لتثبيت مكانة الإعلام في أولويات المرحلة الانتقالية وتضمين الدستور الحق في الإعلام الحر وحرية التعبير والنقد ضمن الحريات الأساسية، وضمان التعددية في الإعلام»، وهو ما يراه كثيرون غائبا عن الكثير من البرامج التلفزية التونسية.
كما طالبت المذكرة بتخصيص جلسة داخل المجلس التأسيسي للإنصات لمشاغل الصحافيين، وضمان التعددية في مجال الإعلام، وضمان الشفافية في تسيير المؤسسات الإعلامية وتكريس الإدارة الرشيدة ومحاسبة كل الذين أسسوا للمنظومة الدعائية وشرعوا لمنهج المغالطة والتضليل والتصرف في الموارد البشرية والمادية للمؤسسات الإعلامية العمومية.
ورغم أن الإعلام في تونس قد تحول، كما قال الإعلامي مراد بن رابح لـ«الشرق الأوسط»، «من إعلام يمجد ويلمع ويبرز ويشيد بإنجازات الحكومة إلى إعلام أصبحت بعض برامجه حكرا على طيف معين من المعارضة وناطقة باسمها، في الوقت الذي كان من المفترض أن تمثل في هذه البرامج، التي تمول من قبل الشعب التونسي، كافة الشرائح والحساسيات بما في ذلك الأطراف الحكومية الرسمية»، ومن البرامج التي أثارت استهجان الشارع، برنامج «حديث الساعة» الذي خصص لاستضافة ما وصفهم اليساري المعروف شكري بالعيد ورئيس تيار الوطنيين الديمقراطيين، الماركسي اللينيني بـ«اليساريين المنبتين»، معتبرا ذلك خدمة مجانية يقدمونها لحزب حركة النهضة، على حد قوله.
وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، المحامي سمير ديلو، أكد من جهته في رده على ما يثار حول التعيينات الجديدة، وهيمنة تيار آيديولوجي على الإعلام الرسمي حتى الآن «المتابع لما يجري على الساحة الإعلامية لا يجزم بمدى إيماننا بحرية الإعلام والتعبير وإنما بمدى صبرنا وتحملنا»، وتابع «لا نتعامل مع الإعلام بمنطق الربح والخسارة، وإنما نرغب في وجود إعلام حر تعددي يعبر بصدق عن الواقع السياسي».
وأشار إلى أن الكثير مما يكتب على أعمدة الصحف وما يقال في بعض البرامج غير صحيح. وقال إن من واجب الصحافيين أن يمارسوا النقد وعليهم قبول النقد أيضا. ويخلص بن رابح إلى القول «قبل أن نتحدث عن صحافة حرة، لا بد من تحرر الصحافي العامل في المؤسسات الإعلامية الرسمية من خلفيته الآيديولوجية وميولاته السياسية، ووضعيته الإدارية، فالصحافة الحرة والمستقلة تقتضي وجوبا، وجود صحافيين أحرار ومستقلين في المؤسسات الإعلامية العامة، وإلا تصبح جريمة يعاقب عليها القانون، وهي استغلال مؤسسات عامة للأغراض الخاصة».