"من المستحيل تحقيق الحد الأقصى من الاستقرار السياسي والنمّو الاقتصادي والديمقراطية
بدون تدفق المعلومات بحرية"
الين هيوم
ليست حرية الصحافة من أمور الترف التي يمكن أن تنتظر حلول أيام الرخاء بل العكس هو الصحيح أنها جزء لا ينفصل من مسيرة الجهود التي من شأنها أن تؤدي إلى أيام الرخاء .
إن التوجه نحو الإصلاح الديمقراطي الحقيقي و الشامل يجب أن يترافق بتحرير الإعلام من سيطرة الدولة ، فاليوم لا يمكننا الحديث عن مفاهيم مثل الديمقراطية و الشفافية و التعددية دون الحديث عن حرية الإعلام ، ورغم محاولات البعض الفصل القسري بينهما ، إلا انه يوجد بينهما ترابط عضوي يجعلهما متحدين و متكاملين و كل واحد منهما يشكل مؤشرا و معيارا لوجود الآخر. فالإعلام الحر و المستقل شريك في عملية التحويل الديمقراطي و حامل من حواملها و ليس نتيجة لها.حيث يؤمن قطاع وسائل الإعلام المستقل اليوم التدفق الحر للمعلومات الحيوية لأي مجتمع ديمقراطي وإذا ما كان لدولة ما أن تتمتع بالتفوق السياسي والاقتصادي الذي تمكنها سيادة القانون من إحرازها، فلا بد لها من تبادل المعلومات بصورة حرة ونشر المعلومات والأفكار والمعرفة على نطاق واسع، من خلال وسائل الإعلام التقليدية و من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة على حد سواء من أجل تمكين الصحافة من ممارستها دورها الأساسي الذي يتمثل ب :
1. نشر القضايا التي هناك حاجة للالتفات إليها والاهتمام بها.
2. تثقيف المواطنين ليتمكنوا من اتخاذ قرارات مستنيرة وصناعة الرأي العام.
3. إخضاع المسؤولين الحكوميين لمساءلة ومحاسبة الشعب
4. إقامة تواصل بين المواطنين في المجتمع المدني والتعريف بالثقافات الوطنية.
5. إعادة إنتاج الموروث الثقافي ونشر القيم الإنسانية الحضارية في المجتمعات
وفي هذا السياق فإن حرية التعبير والتداول الحر للمعلومات والأفكار والمعارف والانتفاع الحر والمتكافئ بها، تشكل عناصر أساسية لتمكين الناس و المجتمع من الدخول إلى التنمية المستدامة بكل مضامينها الاجتماعية والثقافية و الاقتصادية و السياسية. و تضمن تقاسم عادل للإعلام داخل المجتمع مما يسهل كذلك الحكم الرشيد ويقدم فرصاً للوصول إلى خدمات أساسية ويؤكد على الشفافية ومكافحة الفساد، وينسج روابط بين مواطنين متمتعين بالإعلام نقديين ومهتمين بالمشاركة في الحياة العامة.
وعلى الرغم من الخطوة الهامة التي أنهت ما يقارب أربعة عقود من احتكار الدولة لجميع وسائل الإعلام من خلال إصدار القانون رقم 50 لعام 2001 مما سمح بوجود عشرات الصحف الخاصة إلا أن هذه الخطوة تبقى قاصرة و غير قادرة على خلق صحافة حرة مستقلة تمارس أدوارها الأساسية بمسؤولية و مهنية عالية في ظل سيطرة الدولة على الإعلام و تحكم أجهزتها التنفيذية بجميع مفاصل العملية الإعلامية وفي كافة المراحل من خلال :
– عدم اعتماد مفهوم الخدمة العامة في الإعلام :
لا تزال البنية الفكرية والقانونية والإدارية للدولة السورية تقوم على أسس الدولة الشمولية التي تقوم بالسيطرة و التحكم بجميع القطاعات المجتمعية من خلال الأجهزة الحكومية في ظل حالة من التماهي بين مفهوم الدولة و الحزب الحاكم التي خلقتها المادة الثامنة من الدستور المعمول به حاليا و على الرغم من بعض التبدلات التي ظهرت على هذه البنية في الفترة الأخيرة إلا أنها لا تزال محصورة في النطاق الاقتصادي بشكل عام و لا تزال النظرة إلى الإعلام – حتى مع وجود إعلام خاص – على انه من ممتلكات الدولة و الحزب و تنحصر وظيفته في شرح سياسات الدولة و الحزب و مواقفها و تعبئة الجماهير لتأيدها , حيث ينص نظام وزارة الإعلام السورية في المادة 3 على أن " تكون مهمة وزارة الإعلام استخدام جميع وسائل الإعلام لتنوير الرأي العام وترسيخ الاتجاهات القومية العربية في القطر ودعم الصلات مع الدول العربية والدول الصديقة وفقاً لمبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي وسياسة الدولة ". و هنا لابد من إحداث نقلة نوعية في هذا الاتجاه بحيث يتم تحويل مفهوم الإعلام إلى الخدمة العامة حيث ينظر إلى الصحافة على أنها صحافة رقابة شعبية بمعنى أنها تراقب الحكومة و السلطة بشكل عام لحساب الجمهور العام استنادا إلى أن مراقبة الحكومة هي إحدى الأدوار الأساسية للصحافة وبناء على هذا يجب أن تشرع قوانين تكفل عدم تدخل الحكومة سياسيا أو ماليا في الصحافة على اعتبار أن هذا التدخل سيؤثر على وظائف الصحافة. و اعتبار الاستقلال المالي أحد الأركان الضامنة لعدم تدخل الحكومة حيث يدفع المواطن ضريبة مباشرة تعود حصيلتها إلى وسائل الإعلام العامة التي يشرف عليها مجلس وطني للإعلام منتخب و مستقل عن الحكومة – التي لا يوجد فيها وزارة إعلام – يقوم بتعيين مدراء وسائل الإعلام العامة و الإشراف عليها .
– احتكار الدولة لتوزيع المطبوعات :
جاء المرسوم التشريعي رقم (42 لعام 1975 ) القاضي بإنشاء المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات ليكمل مسيرة السيطرة على العملية الإعلامية وهذه المرة في القسم الخاص بتوزيع المطبوعة حيث حرم على الصحيفة المطبوعة القيام بعملية توزيع النسخ أو التعاقد الحر مع أي جهة غير المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات تحت طائلة المسائلة المالية و الجزائية و المؤسسة التي منحها المرسوم حق احتكار توزيع كافة المطبوعات السورية داخل و خارج سوريا و كذلك حق توزيع المطبوعات الأجنبية في سوريا و أعطى القانون صلاحيات واسعة للمؤسسة تشمل الرقابة على المطبوعات و تحديد كمية الأعداد المخصصة للتوزيع وكذلك منح تراخيص بيع المطبوعات و أماكنها و كمية المطبوعات المخصصة لكل منفذ بيع و تحصيل ثمن المطبوعات المباعة والتحكم بإعادة الريع إلى الصحيفة بعد خصم الامتيازات المالية و التي من الممكن أن تصل إلى نسبة 35% بالإضافة إلى إعفائها من إعادة النسخ المرتجعة إلى الصحيفة الأمر الذي يجعل رقابة الصحيفة على مبيعاتها شبه معدومة .
– احتكار الدولة للإعلان :
يخضع سوق الإعلان و الذي يشكل احد أهم موارد الصحف المالية و شريان رئيسي يسمح لها بالاستمرار بالحياة إلى سيطرة الدولة التي تحتكر هذا السوق أيضا من خلال المؤسسة العربية للإعلان "إعلان" المشكلة منذ عام 1963 و الذي يعطيها الحق في منح تراخيص العمل للوكالات الإعلانية و كذلك حق تحديد أسعار الإعلانات و رقابتها و منح الإعلانات الحكومية و الخاصة و توزيعها على المحطات التلفزيونية حيث لا يقبل التلفزيون السوري على سبيل المثال أي إعلان لا يحمل شارة المؤسسة و تحديد نسبتها من إيرادات الإعلانات وفق ما تراه مما يعطيها إمكانية التحكم بسوق الإعلان و توجيهه بالطريقة التي تريدها
– احتكار الدولة لوكالة الأنباء السورية سانا :
وهي وكالة الأنباء الوحيدة في البلاد ولا يسمح بإنشاء وكالات مستقلة أو خاصة و تتملك الدولة كامل الوكالة و تعتبر الوكالة هيئة من الهيئات الحكومية التي تتبع إلى وزارة الإعلام في كل شيء ويلزم القانون كافة الصحف و المطبوعات بالاشتراك في الوكالة كشرط من شروط الترخيص و يتركز نشاط الوكالة الرئيسي حول تغطية الأخبار الحكومية .
– احتكار منح التراخيص و سحبها :
حيث يعطي القانون رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الإعلام الحق في الموافقة أو رفض طلب الترخيص للمطبوعة "لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة" وذلك بشكل تقديري يعود إليه وحده من خلال سلطته المطلقة بدون وجود أي ضوابط أو معايير قانونية تحدد أو تفند هذه الأسباب و لا يستطيع طالب الترخيص الذي رفض طلبه من أن يلجأ إلى أي باب من أبواب الاعتراض و لا حتى اللجوء إلى القضاء المدني أو الإداري و لا يحق له إعادة طلب الترخيص إلا بعد مرور سنة كاملة على تاريخ رفض طلبه.
و بنفس الكيفية أعطى القانون رئيس مجلس الوزراء حق سحب ترخيص المطبوعة و الحكم عليها بالإعدام بدون أي ضوابط قانونية واضحة و إنما بالاستناد على عبارات إنشائية فضفاضة و بدون إبداء الأسباب و كذلك بدون الحق بالاعتراض أو اللجوء إلى القضاء المدني او الإداري كما حصل مع صحف الاجتماعية و المبكي و الدومري .
– عدم وجود قانون للحق في الوصول إلى المعلومات :
إن حرية الوصول إلى المعلومات أصبحت الحجر الأساسي في الحريات الصحفية و من المعلوم أن اغلب المعلومات الهامة تمتلكها السلطة التنفيذية و مؤسساتها و لترجمة مبدأ الشفافية و المشاركة في اتخاذ القرار يجب تسهيل حصول الصحفي على المعلومات ليقوم بنشرها و إيجاد فضاء حر لمناقشتها يؤمن وصول المعلومة إلى اكبر قدر من المواطنين. ولا ينص قانون المطبوعات في سوريا على حق الصحفي في الوصول إلى المعلومات والذي أصبح في البلدان التي تحترم دور وحرية الصحافة حقا دستوريا و قانونا مستقلا بحد ذاته :
(Freedom of Information Act ( يفرض عقوبات على كل من يمتنع عن تقديم المعلومات للصحافيين او يتعمد تزويرها او إخفائها و ينص على إعمال مبدأ الكشف الأقصى للمعلومات على اعتبار أن الأساس هو العلنية و أن حماية أسرار الدولة هو الاستثناء ولذلك في الكثير من البلدان يفرض القانون على الدولة فتح وثائقها السرية أمام العامة و الصحافة بعد مضي زمن معين. ووصلت قوانين الحق في الحصول على المعلومات في بعض الدول إلى حماية المسربين الحكوميين للمعلومات السرية لطالما في كشفها منفعة عامة او فضح لإجراء مخالف للدستور ارتكبته الحكومة او كانت في معرض ارتكابه.
– التحكم بالإجراءات الإدارية و اللوائح التنفيذية :
أعطى القانون وزير الإعلام الحق في وضع اللوائح التنفيذية الخاصة بتطبيق هذا القانون مما أضاف قيود أخرى على العملية الإعلامية فعلى سبيل المثال أصدر وزير الإعلام القرار رقم (297 لعام 2001 ) بعد صدور قانون المطبوعات حدد فيه شروط إضافية على الصحف السياسية اليومية حيث ألزم هذه الصحف بإصدار عدد معين من الصفحات(8) صفحات من الحجم الكبير او(16) صفحة من الحجم الصغير و اشترط أيضا وجود خمس محررين و خمس مراسلين كحد أدنى كذلك ألزمها بالاشتراك لدى الوكالة السورية للأنباء "سانا" و وكالة أنباء عربية و وكالة أنباء أجنبية كحد أدنى كما ألزمها بالصدور خمس أيام اسبوعيا كحد أدنى و مما لاشك فيه أن هذه الاشتراطات تشكل أعباء مادية كبيرة لا تسمح إلا لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة بامتلاك صحف يومية سياسية وهذا جلي على ارض الواقع حيث انه بعد مرور أكثر من ست سنوات على هذا القانون و اللوائح التنفيذية لا توجد سوى صحيفتان يوميتان سياسية خاصة في سوريا واحدة باللغة العربية و الأخرى بالانكليزية و كلاهما يتخذان من المنطقة الحرة و قوانينها مقرا لهما بما يجعلهما صحف غير محلية تنطبق عليها شروط عمل و إدخال الصحف الأجنبية إلى داخل سوريا.
بالإضافة إلى سلسلة من الاستمارات و الموافقات و التامين المالي و الفترات الزمنية المقيدة التي تتطلبها شروط الترخيص.
وقد أعطى القانون وزير الإعلام سلطة مطلقة في السماح لمراسلي الصحف و القنوات التلفزيونية و الإذاعية و مراسلي وكالات الأنباء العربية و الأجنبية بالعمل من خلال منح بطاقات العمل او سحبها و أيضا من خلال عبارات معومة و فضفاضة دون وجود ضوابط و معايير قانونية خاصة و أيضا بدون حق الاعتراض أو اللجوء إلى القضاء.