(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير نشرته اليوم إن أكثر من نصف الأطفال السوريين بسن الدراسة اللاجئين في لبنان، والبالغ عددهم 500 ألف تقريبا، لا يحصلون على تعليم رسمي، تعترف به الحكومة اللبنانية. يسمح لبنان، الذي يستضيف 1.1 مليون لاجئ سوري، بالتحاق الأطفال السوريين بالمدارس الحكومية مجانا، ولكن مدخول أهاليهم المحدود، وسياسات الإقامة المجحفة بحق اللاجئين، تُبقيهم خارج المدارس.
تقرير “يكبرون بلا تعليم: حواجز تعليم الأطفال اللاجئين السوريين في لبنان“، الممتد على 79 صفحة، يوثق الخطوات الهامة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية للسماح للأطفال السوريين بارتياد المدارس الحكومية. لكن هيومن رايتس ووتش وجدت أن بعض المدارس لا تلتزم بسياسات التسجيل، وأن هناك حاجة أكبر لدعم المانحين للعائلات السورية وللنظام التعليمي اللبناني الذي يتحمل فوق طاقته. يُقوّض لبنان سياساته التعليمة الإيجابية بفرض شروط إقامة مجحفة تحد من حركة اللاجئين، وتزيد من فقرهم، وتدفعهم إلى إرسال أولادهم إلى العمل بدل المدارس، وتزيد من عمل الأطفال.
أما الأطفال بسن التعليم الثانوي والأطفال ذوو الحاجات الخاصة، فيواجهون عوائق صعبة من نوع خاص.
قال بسام خواجا، الحاصل على زمالة ليونارد ه. ساندلر في هيومن رايتس ووتش: “رغم التقدم الذي حققه لبنان في تسجيل الأطفال السوريين بالمدارس، إلا أن العدد الكبير للأطفال الذين مازالوا بلا تعليم بات يُشكل أزمة ملحة تستوجب إصلاحات جريئة. يجب ألا يضحي الأطفال بتعليمهم بحثا عن الأمان من أهوال الحرب في سوريا”.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الحصول على تعليم شرط أساسي لمساعدة اللاجئين على تجاوز الصدمة التي سببتها لهم الحرب والنزوح، واكسابهم المهارات التي تساعدهم على لعب دور إيجابي في البلدان المستضيفة كلبنان، وإعادة بناء سوريا.
قابلت هيومن رايتس ووتش 156 لاجئا سوريا في لبنان في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2015 وفي فبراير/شباط 2016، وجمعت معطيات حول أكثر من 500 طفل بسن الدراسة. بعضهم لم يرتادوا المدرسة منذ قدومهم إلى لبنان قبل 5 سنوات، وبعضهم لم يدخلوا أي فصول دراسية قط.
يوجد في لبنان 500 ألف طفل سوري لاجئ مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (المفوضية)، تتراوح أعمارهم بين 3 و18 سنة، أي في سن الدراسة حسب النظام التعليمي اللبناني. لكن بحسب وزارة التربية، عدد الأطفال “غير اللبنانيين” المسجلين في المدارس للعام الدراسي 16- 2015لم يتجاوز 158 ألف طفل، أغلبهم من السوريين، بالإضافة إلى 87 ألف غير لبناني في المدارس الخاصة و”شبه الخاصة”. كما يوجد عدد غير معلوم من الأطفال خارج المدارس من ضمن الـ 400 ألف سوري غير المسجلين في بيانات المفوضية، التي أوقفت التسجيل في مايو/أيار 2015 بطلب من الحكومة اللبنانية.
سمح لبنان للاجئين السوريين بالالتحاق بالمدارس الحكومية مجانا وبدون إقامة، وفتح دواما ثانيا “بعد الظهر” للسوريين في 238 مدرسة للعام الدراسي 16-2015. أعلنت وزارة التربية في سبتمبر/أيلول عن خطة لتسجيل 200 ألف لاجئ سوري في المدارس الحكومية، بدعم دولي، كجزء من سياسة “توفير التعليم لكل الأطفال” المتبناة في يونيو/حزيران 2014.
شهد عدد الأماكن المخصصة للأطفال السوريين في المدارس الحكومية ارتفاعا متواصلا منذ بداية الأزمة في 2011. مع ذلك، رفضت بعض المدارس استقبالهم في العام 16-2015 لأن الأماكن المتاحة لم تكن بالضرورة في المناطق المحتاجة، ولأن الأطفال واجهوا معوقات أخرى. يبقى 50 ألف مكان شاغرا من أصل 200 ألف مكان للأطفال السوريين التزم المانحون بتمويله.
شروط الإقامة المجحفة التي تمنع أغلب اللاجئين من الحصول على إقامة شرعية أو العمل تهدم سياسات لبنان السخية لإلحاق الأطفال السوريين بالمدارس. الكثير من العائلات السورية تخشى التوقيف في حال الذهاب إلى العمل أو حتى البحث عن عمل. في 2015، بلغت نسبة العائلات السورية التي تعيش تحت خط الفقر 70 بالمئة، وهي غير قادرة على تأمين مصاريف الدراسة، مثل النقل والمستلزمات المدرسية، فباتت ترسل الأطفال إلى العمل بدل المدرسة.
قالت رنا (31 عاما)، وكانت قد هربت من ريف دمشق إلى لبنان في العام 2012، إنها اضطرت إلى ترك عملها في محل للمعجنات خوفا من التوقيف بعد أن انتهت إقامتها. أضافت أنها أصبحت غير قادرة على تأمين مصاريف الدراسة، فسحبت ابنها حمزة (5 أعوام) من المدرسة ليبيع العلكة على الطريق. قالت: “لولا التكاليف لأرسلنا أطفالنا إلى المدرسة، ولكنا لا نستطيع تحمل حتى كلفة المواصلات. يجب أن يتعلم أطفالي كتابة أسمائهم. لقد انتهى كل شيء بالنسبة لنا، فهل يجب أن ينتهي كل شيء بالنسبة لهم أيضا؟”
قال خواجا: “على لبنان إصلاح شروط الإقامة المجحفة التي تمنع السوريين من الخروج للعمل، وتؤثر على إرسال الأطفال إلى المدارس”.
من العوامل الأخرى التي تثني السوريين عن إرسال أطفالهم إلى المدارس: بعض شروط التسجيل التعسفية التي يفرضها بعض مديري المدارس؛ العنف في المدرسة، مثل العقاب البدني من قبل الموظفين والمضايقة والتحرش من قبل الأطفال الآخرين؛ الخوف على سلامة الأطفال الذين يضطرون إلى العودة ليلا إلى منازلهم بعد انتهاء الصفوف؛ بالإضافة إلى التدريس بلغات ليسوا معتادين عليها مثل الفرنسية والإنغليزية، مع غياب الدعم اللازم.
قالت كوثر (33 عاما) إنها حاولت تسجيل أطفالها في خريف 2015، ولكن إدارة المدرسة طلبت مستندات لم تطلبها وزارة التربية، مثل سجلات التطعيم التي تركتها في سوريا عندما هربوا. تمكنت في النهاية من تسجيل أطفالها في المدرسة، ولكنها اضطرت لسحبهم بعد 3 أشهر بسبب عدم حصولهم على الكتب، وعدم تمكنها من دفع كلفة المواصلات.
يواجه الأطفال بسن التعليم الثانوي عوائق خاصة، مثل بُعد السكن عن المدرسة وشبه استحالة الحصول على إقامة شرعية بعد سن الـ15 والحاجة المستمرة للعمل. هناك فقط 2280 طفل “غير لبناني” مسجلين في المرحلة الثانوية للعام
16-2015، أي نحو 3 بالمئة من مجموع الأطفال في سن التعليم الثانوي والمسجلين.
الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة يواجهون تحديات من نوع آخر. فالمدارس الحكومية، التي لها سجل سيئ في ادماج ذوي الاحتياجات الخاصة اللبنانيين، ترفض استقبالهم بزعم أنها تفتقر للمهارات والموارد اللازمة لتعليمهم. وحتى عندما يتمكن الأطفال السوريون ذوو الاحتياجات الخاصة من الالتحاق بإحدى المدارس، فإنها لا تضمن حصولهم على تعليم جيد على قدم المساواة مع الآخرين.
استفاد بعض الأطفال السوريين من برامج التعليم غير الرسمية التي تؤمنها المنظمات غير الحكومية في مخيمات غير رسمية. قالت بعض المنظمات لـ هيومن رايتس ووتش إن وزارة التربية سحبت دعمها لها في العام الماضي، أو أوقفت برامجها لأنه لم يكن واضحا لها ماذا يمكنها أن تقدم للأطفال. تبنت وزارة التربية سياسة تنظيم التعليم غير الرسمي وأطلقت برنامج تعليم مكثف في يناير/كانون الثاني للأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة لعامين أو أكثر. لكن عدد البرامج الموافَق عليها للأطفال الذين لا يستطيعون ارتياد المدارس الرسمية بقي محدودا.
قال لبنان إن الخسائر في الإيرادات بسبب الحرب السورية وعبء استقبال اللاجئين كلفته 13.1 مليار دولار أمريكي. في غضون ذلك، لم تحصل “خطة لبنان للاستجابة للأزمة” إلا على 62.8 من الميزانية المرصودة لها في 2015. يحتاج لبنان إلى دعم مالي دولي أكبر ليستجيب لحاجات اللاجئين السوريين التعليمية. لكن الاكتفاء بتمويل أماكن تعليم جديدة فقط لن يزيل العوائق التي تمنع الأطفال السوريين من التحصيل العلمي، ما لم تغير الحكومة اللبنانية سياساتها التي تحد من قدرة الأطفال على الذهاب إلى المدرسة.
من شأن الدعم الدولي أن يفيد الأطفال اللبنانيين أيضا الذين يواجه الكثير منهم نفس العوائق التي يواجهها السوريون. غطى المانحون الدوليون في العام 16-2015 تكاليف تعليم 197010 أطفال لبنانيين مسجلين في مرحلة التعليم الأساسي.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على لبنان ضمان تنفيذ جيد لسياسته الإيجابية لإلحاق الأطفال السوريين بالمدارس، ومحاسبة المتورطين في العنف في المدارس، بما يشمل العقاب البدني. على وزارة التربية السماح للمنظمات غير الحكومية بتأمين برامج تربوية غير رسمية ذات جودة عالية، إلى أن يصبح التعليم الرسمي متاحا لجميع الأطفال في البلد.
على الحكومة أيضا مراجعة شروط الإقامة، والسماح للذين انتهت إقامتهم بتجديدها وتفعيل إعلان النوايا الذي قدمته في مؤتمر المانحين في لندن في فبراير/شباط، ومراجعة الأطر الناظمة لإجازات عمل السوريين في لبنان.
أضاف خواجا: “لن تحل إضافة أماكن جديدة في المدارس المشاكل التي تواجه تعليم هذا العدد الكبير من الأطفال السوريين، إلا إذا تصدى لبنان والمجتمع الدولي للعوائق التي تُبقي الأطفال السوريين خارج المدارس. تأمين التعليم لكل الأطفال في لبنان يصب في مصلحة الجميع، ولكن كلما طالت مدة انقطاعهم عن الدراسة، صارت عودتهم إليها أصعب”.
“يكبرون بلا تعليم” هو الجزء الثاني من 3 أجزاء تعالج قضية التعليم الملحة للأطفال السوريين اللاجئين في تركيا ولبنان والأردن“.
اقتباسات من التقرير
“لا نستطيع توفير المال لنرسلهم إلى المدرسة. كل أولادي كانوا يدرسون في سوريا، ولكن إن أرسلتهم للمدارس هنا كيف سنعيش؟ سيكون علينا أن نشتري لهم ملابس وندفع لهم مصاريف النقل. حتى وإن كان كل شيء مجانا، لا يستطيع الأطفال الذهاب إلى المدرسة، لأن لا أحد غيرهم يستطيع العمل”.
– منى، 45 عاما، جبل لبنان.
“تراجع تعليم أطفالي، غادرنا بلادنا ومنازلنا، واليوم أبناؤنا بلا تعليم ولا مستقبل”.
– جواهر، 24 عاما، شمال لبنان.
حاولت تسجيله في 3 مدارس. قالت لي المدرسة الأولى إنهم يسجلون الأطفال في الصف الثالث فما فوق. المدرسة الثانية رفضت قبوله، وقالت لي المديرة “لا للسوريين”. حاولت تذكيرها بالقوانين، ولكنها قالت: “لا دخل للأمم المتحدة فينا. نحن نعرف ما نفعل. لا توجد أماكن”.
– عفاف، 45 عاما، بيروت.
“هو ذكي، لكن الأمر كان صعبا. كان طالبا مجتهدا، لكن اللغة الأجنبية كانت صعبة عليه… لم يحصل على أي مساعدة في اللغات، ولم نجد معلمين بأثمان مناسبة. هو الآن جالس في المنزل”.
– رمد، 35 عاما، سهل البقاع.
“درست شهرا واحدا، ثم انقطعت. حصل ذلك الأسبوع الماضي. وجدت نفسي أدرس أشياء درستها منذ سنوات، وأعود إلى المنزل في وقت متأخر. لا أدري ما سأفعل… هذه الأيام صار يتعين على الفتاة الحصول على تعليم لتنجح في حياتها”. – خليفة، 8 أعوام، سهل البقاع.
“لما جئت أول مرة، عملت في الاسمنت والبناء. كان العمل صعبا جدا، وكان عمري 13 سنة… مضى على وجودي في هذا المكان 5 سنوات. لقد أضعت 5 سنوات من عمري”.
– أمين، 18 عاما، شمال لبنان.
“بودّي أن أراه يدرس، لا أريده أن يعمل. إن كنت لا تعرف القراءة ستضيع. أنا لا أعرف القراءة، وها أنا ضائعة. لا توجد أم تقبل بأن يبقى ابنها في الظلام”.
– إلهام، 30 عاما، شمال لبنان.