ساركوزي وجوبيه يطالبان بالتحقيق.. والمعارضة تتهم النظام المراسل الفرنسي جيل جاكيه الذي قتل أمس بحمص
(أ.ب) باريس: ميشال أبو نجم بروكسل: عبد الله مصطفى لندن: «الشرق الأوسط»
أدانت فرنسا بقوة مقتل الصحافي الفرنسي جيل جاكيه أثناء قيامه بعمله في مدينة حمص الواقعة وسط سوريا بانفجار قنبلة وسط مجموعة من الصحافيين. وطالبت باريس بلسان رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي السلطات السورية بأن تقوم بكشف كافة ملابسات الحادث و«إلقاء الضوء على الظروف التي أحاطت بمقتل الصحافي الذي كان يقوم بعمله»، مثلما جاء في بيان صادر عن قصر الإليزيه.
وأعرب ساركوزي عن «الكثير من الحزن والأسى» بسبب مقتل جاكيه الذي هو الصحافي الأجنبي الأول الذي يسقط منذ اندلاع الأحداث في سوريا قبل عشرة أشهر. ووصف ساركوزي جاكيه بـ«الرجل الشجاع» لأنه عاند من أجل نقل حقيقة ما يحصل في سوريا. وحرصت إدارة الشبكة الثانية في التلفزيون الفرنسي على القول إن السلطات السورية سمحت للصحافي بدخول سوريا وبالتوجه إلى حمص في إطار مجموعة من الصحافيين. وكما الرئيس ساركوزي، فقد طالب وزير الخارجية آلان جوبيه في بيان صادر عنه السلطات السورية بالقيام بتحقيق «من أجل جلاء ظروف المأساة». وجاء في البيان أن باريس «تدين بقوة هذا العمل القبيح»، داعيا السلطات السورية إلى ضمان أمن وسلامة الصحافيين العالميين الموجودين على أراضيها، وكذلك «حماية هذه الحرية الأساسية» التي هي حرية الإعلام. وجدير بالذكر أن مطلب دخول وتجول الإعلام على الأراضي السورية هو أحد البنود التي نصت عليها المبادرة العربية.
وكان جاكيه يقوم بتحقيق ريبورتاج لبرنامج «المبعوث الخاص» الذي يبث منذ سنوات على الشبكة الثانية، والذي يحظى بسمعة جيدة. وبحسب التصريحات التي أدلى بها مصور يعمل لصالح وكالة الصحافة الفرنسية، فإن جاكيه قتل عندما وقعت قذيفة على مجموعة من الصحافيين. وجرح في الحادث مصور هولندي مستقل اسمه ستيفن فاسونار. وكانت رفيقة درب جاكيه موجودة في مكان الحادث. ونقلت الوكالة عن المصور المذكور أن المجموعة «وصلت إلى حمص محاطة بالأمن وبممثلي المحافظة»، وأن الصحافيين «أصروا جميعا على الخروج لرؤية ما يحصل». وبحسب إفادته، فإن السلطات قررت نقلهم إلى حي الحضارة حيث وقعت القذائف، وإن المجموعة أصيبت بقذيفة عندما كانت تنزل من على سطح مبنى. وكان جاكيه مضرجا بدمائه أمام مدخل المبنى بفعل سقوط القذيفة. وبحسب الصحافي في وكالة الأنباء الفرنسية، فإن متظاهرين موالين للرئيس السوري بشار الأسد كانوا متجمعين أيضا أمام المبنى.
وفيما حمل التلفزيون السوري «مجموعة إرهابية» مسؤولية ما حصل، دعت منظمة «صحافيون بلا حدود» السلطات السورية إلى فتح تحقيق «بمشاركة المراقبين العرب»، كما أنها نددت بعجز السلطات السورية عن توفير مناخ آمن ومناسب لعمل الصحافيين في سوريا. ومن جانبه، دعا المعهد الدولي للصحافة الموجود في فيينا كل الأطراف السورية إلى احترام حرية تحرك الصحافيين وتوفير بيئة آمنة لقيامهم بمهمتهم. وأثار مقتل الصحافي الفرنسي التلفزيوني جيل جاكيه موجة من التأثر في فرنسا، خصوصا في الوسط الصحافي الذي انضم إليه في عام 1989. وخلال السنوات العشرين المنقضية، غطى جاكيه المولود عام 1968 غالبية بؤر النزاعات المندلعة عبر العالم متنقلا من كوسوفو إلى أفغانستان وفلسطين والجزائر وجنوب أفريقيا ثم لاحقا في بلدان الربيع العربي. وقبل ذلك، كان شاهدا على ما حصل في زائير وساحل العاج وهاييتي والعراق.. لكن الكاميرا التي كان يحملها ويعتبرها صوته إلى المشاهد لم يحصرها فقط في تصوير الحروب والنزاعات بل اهتم كذلك بمهرجانات السينما والألعاب الأولمبية.
وكان ينقل عن هذا الصحافي الذي انضم إلى التلفزيون الفرنسي قبل سنوات أنه «عاشر الموت عن قرب»، لكثرة ما رأى وعاين من جثث وضحايا. ومن جهتها قالت مصادر إعلامية بلجيكية إن فريقا من الصحافيين والفنيين يضن خمسة أفراد تابعين لمحطة التلفزة البلجيكية الفلامنية «في آر تي» كانوا بين المجموعة الإعلامية التي تعرضت لهجوم تفجيري في مدينة حمص بسوريا، وإن هناك قتيلا وجريحا آخر من بين الصحافيين، بينما وصل إجمالي القتلى لـ7 أشخاص والمصابين لـ25 شخصا.
وقالت إدارة التلفزة البلجيكية إن طاقمها المكون من صحافيين وثلاثة فنيين للتصوير والصوت بخير ووصلوا إلى الفندق المخصص لإقامتهم في حمص ويستعدون للمغادرة إلى دمشق، وقال مدير إدارة الأخبار في التلفزة البلجيكية إن الطاقم بكامله سيعود إلى بلجيكا في أقرب وقت ممكن. وأكدت قناة «تلفزيون الدنيا» المحلية الموالية للنظام مقتل الصحافي الفرنسي بالإضافة لثمانية آخرين، وقالت إنهم «قضوا في هجوم في حمص في حي الزهراء»، وعرضت مشاهد مما قالت إنه «من الجريمة الإرهابية التي شهدها حي عكرمة في حمص باستهداف المواطنين ووفد إعلامي أجنبي وأسفرت عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى».
ويشار إلى أن حي عكرمة في حمص من الأحياء الموالية للنظام، ويسكنه خليط من العلويين والمسيحيين من أبناء الريف الوافدين إلى حمص مع لاجئين فلسطينيين، وقال ناشطون إنه من الصعب دخول الحي من قبل المناهضين للنظام حيث يخضع لعملية تفتيش دقيقة، كما وصف الناشط السوري الحمصي عمر إدلبي الحي بـ«قلعة أمنية» وأن «معظم سكانه من المؤيدين للنظام، والدخول إليه يحتاج إلى الخضوع لإجراءات تشبه ما يحتاجه الدخول إلى فرع أمن».
وقالت مصادر محلية في حمص إن قوات الأمن والجيش اقتحمت عدة أحياء في حمص مع شن تعنيف وضرب للمارين في سوق الحشيش وفي ساحة الساعة وحي الخالدية ظهر أمس، وذلك بعد أن قام مجموعة من الشباب المناهضين للنظام بمناوشات عند حاجز طيار مستخدمين ألعابا نارية لمنع خروج مسيرة مؤيدة، ما أثار غضب عناصر قوات الأمن والجيش فقاموا باستباحة الناس في الشوارع وجرى تكسير بطاقاتهم الشخصية، والتي عادة تتم مع المعتقلين والمشبوهين كإشارة تدل عليهم بشكل دائم.
ونفت تلك المصادر المحلية لـ«الشرق الأوسط» ما قيل عن سقوط قذائف «آر بي جي» أو قذائف «هاون» في حي عكرمة وشككوا في صحة كل تلك الروايات. وتصاعد توتر الأوضاع مع الإعلان عن سقوط الصحافي الفرنسي وإصابة المصور، واتهمت المعارضة النظام السوري بتدبير الهجوم بهدف منع الصحافيين الأجانب من القدوم إلى سوريا، ولفت حيان وهو ناشط من حمص «إلى أن عددا من المراسلين والصحافيين الأجانب الذين تسللوا إلى البلاد دون علم السلطات خلال الأشهر الماضية وتمكنوا من إعداد تقارير عن الثورة والتقوا الثوار ومنهم من التقى مع جنود الجيش الحر لم يتعرضوا للأذى، بينما الصحافي الفرنسي الذي دخل بتنسيق مع السلطات تعرض للقتل»، وفي المقابل اتهم الموالون العصابات الإرهابية المسلحة بمهاجمة حي عكرمة وقتل الصحافي أثناء الهجوم.