الحديث عن دور المجتمع المدني في حل النزاعات بالنسبة لمواطن سوري يعمل في الشأن العام , يحمل في طياته قدرا كبيرا من التعقيد و التداخل حيث أن الحديث عن المجتمع المدني لا يمكن فصله عن الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان و الإعلام الحر والدولة المدنية ، وسيادة القانون، والمؤسسات المنتخبة بحرية و الحداثة … الخ حيث العنصر الأساسي في هذا الهيكل هو الإنسان نفسه “المواطن الحر المتمدن و المؤمن بالقيم الحضارية الإنسانية “.
و الحديث عن حل النزاعات أيضا يحمل في طياته قدرا اكبر من التعقيد و التداخل فحيث لم تسمح لنا ظروف التطور السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و النظام الشمولي اختبار المواطنة وفق المعايير السابقة منحتنا تلك الظروف و التداخلات الدولية مناخا اختبرنا فيه خلال العقود الماضية كافة أشكال النزاعات فمن حروب 1948 و 1967 و 1973 و 1982مع جيراننا الإسرائيليين و الحرب الباردة القائمة معهم حتى الآن – و المرشحة إلى التسخين – إلى النزاعات الداخلية المسلحة بين النظام الحاكم و جماعة الإخوان المسلمين في أعوام الرصاص و الدم إلى مشاكل حقوق المواطنة و التمييز بالنسبة إلى قضية المواطنين السوريين الأكراد وضحايا النضال الديمقراطي السلمي المستمر حتى هذه اللحظة و صولا إلى حرب دمقرطة النفط في العراق و التي ليس آخر تداعياتها وجود أكثر من 2 مليون لاجئ عراقي في سوريا يتزايد عددهم يوميا ,
في بلد مثل سوريا يحمل كل هذا الإرث الثقيل و يقع اليوم في عين الإعصار الذي يجتاح منطقة الشرق الأوسط ويخاف مواطنوه من مصير يشبه مصير الشعب العراقي و لا يشعرون برغبة العيش وفق ديمقراطية المحاصصة الطائفية التي ينعم بها جيرانهم اللبنانيين … تبدوا الحاجة ماسة و ملحة إلى تقوية وتدعيم المجتمع المدني السوري والذي من الممكن أن يشكل الضمانة الحقيقية لإجراء عملية المصالحة الوطنية للخروج من الاحتقانات و الأزمات الداخلية الذي يعيشها المجتمع السوري وفق مقتضيات العدالة في المرحلة الانتقالية بحيث تكون هذه المصالحة المعبر الآمن للتحول الديمقراطي المطلوب داخليا من اجل إعادة صياغة العقد الاجتماعي السوري على أسس جديدة تعبر عن طموح الشعب السوري في دولة ديمقراطية مدنية و حداثية .
إن ” السلام و الديمقراطية و التنمية ” هو “الثالوث المقدس” القادر وحده على حماية المنطقة كلها وليس سوريا فقط من سلسلة من الأزمات التي من الممكن أن تنفجر في أي لحظة لتخلف وراءها آلاف اللاجئين الذين ستكون أوروبا وجهتهم المفضلة عبر موجات من الهجرة الشرعية و اللاشرعية لذلك إن العمل معا كمجتمعات مدنية و برلمانيين في الضغط من أجل تحقيق هذه الثلاثية بما يضمن عدم تفجر الأزمات في المنطقة سيكون أكثر فائدة و أقل تكلفة من البحث عن حلول للازمات بعد انفجارها .
وبهذا السياق اسمحوا لي أن أوجه تحية إلى جميع معتقلي الرأي و الضمير في سوريا و اسمحوا لي أن أخص الزميل الصحفي ميشيل كيلو الذي اعتقلته السلطات السورية والزميل الصحفي عطا فرحات الذي اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي من منزله في الجولان السوري المحتل . كذلك اسمحوا لي أن أوجه تحية إلى شهداء الحرية و الاستقلال في لبنان.
أيها السيدات و السادة : هربت فتاة سورية جميلة منذ قرابة 5000 سنة كانت تدعى أوروبا من سوريا إلى الشواطئ الشمالية للمتوسط لتلتحق بحبيبها باخوس و هناك استقرت لتكتسب الكثير من الخبرة و المعرفة بعد نضال شاق و طويل من اجل السلام و الديمقراطية و التنمية و نحن في المجتمع المدني السوري سنعمل جهدنا من اجل إعادة إنتاج موروثنا الثقافي من خلال الحفاظ على القيم الحضارية فيه و تطعيمها بالمعرفة و الخبرة التي اكتسبتها أوروبا بعد إقامتها الطويلة في الشواطئ الشمالية للمتوسط من خلال السلام والتعاون الايجابي بين ضفتي المتوسط .
مازن درويش
رئيس المركز السوري للإعلام و حرية التعبير
24/9/2007