بقلم: جويل سايمون
اليونيسكو هي الهيئة الرئيسية التي كرستها الأمم المتحدة للدفاع عن حرية الصحافة. إلا أن المنظمات الصحفية ومنظمات حقوق الإنسان اضطرت في عام 2010 إلى إطلاق حملة دولية لثني اليونيسكو عن تقديم جائزة باسم أشد المسيئين لحرية الصحافة في إفريقيا.
قبلت اليونيسكو في عام 2008 تبرعاً قدره 3 ملايين دولار من الرئيس تيودورو أوبيانج نجوما مباسوغو من غينيا الاستوائية، وذلك لدعم جائزة سنوية في مجال علم الحياة. وكان أوبيانغ يحكم هذا البلد البالغ الصغر بقبضة حديدية منذ أكثر من ثلاثة عقود. وعلى الرغم من أن طفرة النفط جعلت غينيا الاستوائية تتمتع بأحد أعلى مستويات الدخل بالنسبة لعدد السكان في إفريقيا، إلا أن الفساد الهائل وسوء الإدارة دفع بمستوى المعيشة في ذلك البلد لأن يكون أحد أقل المستويات في القارة. ويواجه الصحفيون في غينيا الاستوائية مضايقات ورقابة واحتجاز على نحو منهجي. وقد وضعت لجنة حماية الصحفيين غينيا الاستوائية على قائمة أحد أسوأ عشرة بلدان في مجال الرقابة، وذلك في تقرير استقصائي أصدرته في عام 2006.
شعرت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وتلك المعنية بحرية الصحافة بغضب شديد عندما أعلن عن النية بمنح جائزة باسم أوبيانج. وانضمت لجنة حماية الصحفيين إلى تحالف لمناهضتها وعملت على تعبئة المعارضة من المنظمات الدولية لحرية الصحافة ومن مشاهير الصحفيين، بما في ذلك فائزين بجائزة "غوليمرو كانو" الدولية لحرية الصحافة التي تقدمها اليونيسكو. وتحققت أخيراً هزيمة فكرة منح جائزة أوبيانج وذلك في تشرين الأول/أكتوبر عندما أعلن المجلس التنفيذي لليونيسكو أنه لن يواصل هذا الأمر دون وجود إجماع بين أعضائه، والذي لن يتحقق نظراً للمعارضة القوية التي أعرب عنها عدة أعضاء.
لقد كانت تلك النتيجة انتصاراً، ولكن ما كان ينبغي لهذه المعركة أن تبدأ أصلاً. والواقع أن ثمة العديد من المنظمات الحكومية الدولية تم تأسيسها للدفاع عن حرية الصحافة ولكنها تقصّر باستمرار عن الإيفاء بمهتمها. وكما جرى في مسألة أوبيانج الخلافية، فإن منظمات حقوق الإنسان وجماعات حرية الصحافة تبذل وقتا وجهدا وطاقة كي تضمن أن تلك المؤسسات لا تنحرف كثيراً عن ولايتها.
لنأخذ مثلا منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فقد تأسست هذه المنظمة أثناء الحرب الباردة لتتبع الظروف الأمنية في أوروبا، وهي تضم في عضويتها 56 بلدا، ومسؤولة عن الدفاع عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان. إلا أنه تم انتخاب كازاخستان في عام 2007 لرئاسة المنظمة على الرغم من أنها أحد أسوأ منتهكي حرية الصحافة في المنطقة. وقد تم تأخير تقلد كازاختسان منصب الرئاسة لمدة عام كامل كي تتمكن سلطاتها من تنفيذ إصلاحات وعدت بها في مجال حرية الصحافة، بما في ذلك تعديل قوانينها القمعية. ولم يقتصر الأمر على إخفاق كازخستان في تنفيذ وعودها، بل أنها سنت إجراءات قمعية جديدة – ومع ذلك فإنها تقلدت منصب رئاسة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في عام 2010 دون إعاقة.
وقد أصدرت لجنة حماية الصحفيين تقريراً في أيلول/سبتمبر وجدت فيه أن الاعتداءات على الصحفيين في كازاخستان تواصلت قبل ترؤسها لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وأثناء فترة رئاستها وبعدها. فقد تم سجن صحفي وناشط بارز عن حقوق الإنسان في ظروف عسيرة للغاية. كما تم إغلاق صحيفتين ناقدتين. وتم إقرار قانون متشدد للإعلام الإلكتروني والإنترنت، مما أحبط تطور فضاء المدونات الناقدة. وحال تقلد كازاخستان منصب رئاسة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أقرت قانوناً للخصوصية مصاغ بصفة فضفاضة ويتيح سجن الصحفيين لمدة خمس سنوات بسبب إيراد تغطية صحفية حول "الحياة الشخصية". وكما أشار تقرير لجنة حماية الصحفيين، فإن كازاخستان "ومن خلال استهتارها بحقوق الإنسان وحرية الصحافة في الوطن، أساءت للسمعة الدولية للمنظمة بوصفها حارساً لهذه الحقوق، وقوّضت فعالية المنظمة وأهميتها، وبالتالي قللت من شأن حقوق الإنسان في جميع بلدان منظمة الأمن والتعاون في أوروبا".
وفي تشرين الأول/أكتوبر، توجه وفد من لجنة حماية الصحفيين إلى مقر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي يقع في فيينا من أجل حث مسؤولي المنظمة على تناول السجل الضعيف لكازاخستان في مجال حرية الصحافة، وذلك خلال مؤتمر القمة الذي كان مزمعاً عقده في أواخر العام. وأشارت لجنة حماية الصحفيين خلال عرضها لنتائج تقريرها إلى أن بلدان منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وافقت بموجب التزامات موسكو في العام 1991 على أن حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي شاغل جماعي، وليس مجرد شأن داخلي يعني الدول المنفردة. إلا أنه عندما عقد اجتماع القمة لم يتم التطرق إلى حرية الصحافة وحقوق الإنسان.
سعت لجنة حماية الصحفيين وغيرها من المنظمات المعنية بحرية الصحافة إلى دعوة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي-مون، للانهماك في الكفاح العالمي ضد الإفلات من العقاب في حالات قتل الصحفيين. وفي نيسان/إبريل 2007، التقى وفد من لجنة حماية الصحفيين مع بان كي-مون الذي أعرب عن إعجابه بالصحفيين وتعهد بتأييد جهود الأمم المتحدة لدعم عملهم. وخلال السنوات القليلة التالية، أصدر بان كي-مون عددا من التصريحات الداعمة، إلا أن نهجه ظل بعيداً عن الاتساق. فالأمين العام أضاع فرصة مهمة للدفاع عن حرية الصحافة عندما امتنع عن توجيه تهنئة للفائز بجائزة نوبل للسلام، ليو شياوبو، وهو ناشط حقوق الإنسان والصحفي الصيني السجين. وقد أطلقت الحكومة الصينية حملة دولية ضد الجائزة، ويبدو أن بان كي-مون خضع لهذه الضغوط ورسم مثالا سيئاً لمنظومة الأمم المتحدة بأكملها.
غالباً ما تتشكل المنظمات الحكوماتية من هياكل سياسية مؤلفة من دول أعضاء، وهيكل قانوني يفصل في انطباق الاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق الإنسان وحرية الصحافة. ويخدم هذه الهياكل القانونية مقررون خاصون يتمثل دورهم في مناصرة هذه الحريات والحقوق في داخل المؤسسات ولضمان الالتزام بالولاية المتعلقة بحرية الصحافة.
وفي العديد من الحالات قام هؤلاء المقررون الخاصون بعملهم بصفة ممتازة. فمقرر الأمم المتحدة الخاص بحرية الرأي والتعبير، فرانك لارو، والمقررة الخاصة المعنية بحرية التعبير ضمن منظمة البلدان الأمريكية، كاتالينا بوتيرو، وجّها انتقادات للإساءات لحرية الصحافة وجذبا النظر إليها. وقاد توجه كل منهما في بعثة مشتركة إلى المكسيك في آب/أغسطس، وجذبا اهتماما واسعاً بشأن العنف المستشري ضد الصحافة هناك.
وتتمتع بعض الهيئات القانونية الإقليمية بسجل إيجابي. فالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على سبيل المثال، أصدرت عددا من الأحكام المهمة في قضايا حرية الصحافة من روسيا وأذربيجان. كما أصدرت قرارا مهما صدر في عام 2010 بشأن قضية سانوما يوتغيفيرز ضد هولندا، حيث وضعت المحكمة قيودا حازمة على قدرة الحكومات على تفتيش غرف الأخبار. وكانت لجنة حماية الصحفيين قد وقّعت إيجازا بصفة صديق المحكمة في تلك القضية.
وجهت لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان أمراً للبلدان الأعضاء بأن توفر حماية مباشرة للصحفيين المعرضين للخطر، كما وفرت توسطا فعالا في الحالات التي تم فيها انتهاك حقوق صحفيين. وعلى مر السنين، أصدرت محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان قرارات رئيسية دعمت حرية الصحافة، بما فيها القرار الشهير الذي أسقط إدانة جنائية بتهمة التشهير في كوستاريكا.
بيد أن هذه النظم تتهاوى على المستوى السياسي. فلجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، والتي أصيبت بالشلل جراء المعارك الإيدولوجية في أمريكا اللاتينية، نادرا ما تعرب عن احتجاجها جراء الانتهاكات لحرية الصحافة. وإذ يجري فرض تشريعات في فنزويلا من شأنها القضاء على وجود حرية الصحافة، قصّر أمين عام منظمة الدول الأمريكية، خوزيه ميغيل إنسولزا، في مواجهة حكومة الرئيس هوغو شافيز. وعندما امتنعت أذربيجان عن الخضوع لأمر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالإفراج عن المحرر الصحفي إينولا فاتولاييف المحتجز على خلفية اتهامات مختلقة والذي منحته لجنة حماية الصحفيين في عام 2009 الجائزة الدولية لحرية الصحافة، أصدرت لجنة الوزراء التابعة لمجلس أوروبا وهي الجهة المخولة بضمان الالتزام بقرارات المحكمة، توبيخا حذرا فقط لحكومة باكو. ولم تتخذ هذه اللجنة قرارا بفرض عقوبات ضد أذربيجان جراء عدم التزامها، على الرغم من أنها مخولة بذلك. أما أذربيجان فقد تجاهلت التوبيخ وواصلت احتجاز فاتولاييف.
وفي الوقت ذاته، فإن الصحفيين المعرضين للخطر في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا لا يتوقعون الحصول على دعم من رابطة أمم جنوب شرق آسيا، أو جامعة الدول العربية، أو الاتحاد الإفريقي. إن مقر الاتحاد الإفريقي يقع في عاصمة إحدى أسوأ الدول من ناحية انتهاك حرية الصحافة، وهي إثيوبيا. كما أن الهيئة التابعة للاتحاد الإفريقي والمختصة بحقوق الإنسان تعمل من غامبيا، وهي بلد يتعرض فيها الصحفيون للسجن والقتل والاختفاء. وعلى الرغم من وجود مقرر خاص معني بحرية التعبير، إلا أن الاتحاد الإفريقي ظل، وإلى حد بعيد، صامتاً في مواجهة الانتهاكات الكبرى لحرية الصحافة في تلك البلدان.
تتألف المنظمات الحكوماتية، بالطبع، من حكومات أعضاء، لذا فإن المقاومة التي تبديها الجهات الفاعلة الدولية والمتنفذة تمثل تحديا حقيقيا. وتوضح الجهود التي بذلتها الصين لدفع البلدان للامتناع عن المشاركة في مراسيم تقديم جائزة نوبل للسلام في أوسلو استعداد ذلك البلد لممارسة نفوذه لتقليص تأثير المنظمات الدولية والحكومات الوطنية التي تدافع عن حرية الصحافة. وقد تصرفت الصين وكوبا بعدائية عندما قامت اليونيسكو بتكريم صحفيين من مواطنيها بجائزة "غوليمرو كانو" الدولية.
أما الاتحاد الأوروبي، ففي حين أنه يتبنى دعم حرية الصحافة، فغالبا ما يكون غير مستعد للقيام بدور مواجهة. فعلى سبيل المثال، في أثناء الحوار بشأن جائزة أوبيانج داخل اليونيسكو بدا أن الاتحاد الأوروبي يصيغ موقفه حتى لا يستعدي الدول الإفريقية التي دعمت الجائزة. وفي حين اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لعزل كوبا بعد حملة القمع التي جرت في عام 2003 ضد المعارضين والصحافة، إلا أن إسبانيا هي من عمل مع الكنيسة الكاثوليكية للتفاوض على الإفراج عن المحتجزين. وقد أفرج عن سبعة عشر صحفيا كوبيا في عام 2010، إلا أن أربعة صحفيين كانوا قيد الاحتجاز في نهاية العام.
أما تأثير الولايات المتحدة، والتي كانت من المدافعين التقليديين عن حرية الصحافة ضمن المنظمات الدولية، فقد تضائل عن السابق، وثمة عدة أسباب لهذا الأمر تتراوح ما بين تضاؤل تأثير الإعلام الأمريكي في الميدان الدولي إلى مشاعر السخط المتبقية في أجزاء عديدة من العالم نحو الإساءات لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الولايات المتحدة، بما في ذلك استخدام التعذيب. كما أن استجابة المسؤولين الحكوميين الأمريكيين لقيام المنظمة المناهضة للسرية "ويكيليكس" بنشر وثائق سرية أدت إلى زيادة تعقيد القضية.
في مثال مليء بالدلالات، التقت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على هامش اجتماع القمة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا مع راوشان يسيرغيبوفا، زوجة محرر صحفي سجين من كازاخستان بسبب الكشف عن أسرار للدولة. وكان قد نشر مذكرات حكومية تظهر أن جهاز الأمن كان يمارس تأثيراً بصفة مخالفة للقانون في قضية تتعلق بالضرائب المحلية. إلا أنه تم إضعاف دعم الولايات المتحدة في هذا المجال، فعندما وجه صحفي سؤالا أثناء اجتماع القمة لوزيرة الخارجية الأمريكية حول قيام ويكيليكس بالكشف عن وثائق دبلوماسية سرية، أعربت هيلاري كلينتون عن شجبها لذلك الكشف ووصفته بأنها انتهاك غير قانوني للأمن. وفي وقت لاحق، وبحسب ما أفادت به يسيرغيبوفا للجنة حماية الصحفيين، قام مسؤول رفيع من كازاخستان بتوبيخ زوجة الصحفي السجين وقال لها: "ألم تسمعي ما قالته هيلاري كلينتون؟ أسرار الدولة يجب ألا تُكشف أبدا. إن من الخطير والخاطئ القيام بذلك".
يتمثل الواقع المحزن في عالم اليوم أنه في حين يضمن القانون الدولي الحق بحرية التعبير، إلا أنه لا يمكن للصحفيين الاعتماد سوى على بضعة مؤسسات دولية كي تدافع عن ذلك الحق. وفي حين قامت المنظمات غير الحكومية بملء هذا الفراغ من خلال تحدي منتهكي حرية الصحافة وإثارة هذه الشواغل دولياً، إلا أن هذه الجماعات أخذت تبذل قدرا متناميا من الوقت لمراقبة سلوك المنظمات الحكومية الدولية التي ينبغي أن تكون حليفة لها في الكفاح من أجل حرية الصحافة.
إنه من غير المقبول إحالة جميع المسؤوليات عن حماية حرية الصحافة إلى المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة، والذين عادة ما يكونون معزولين سياسيا ويفتقرون للتمويل الكافي. وينبغي على القادة السياسيين لكل المؤسسات الدولية (من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الإفريقي، ومنظمة البلدان الأمريكية ومجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا) أن يتخذوا مواقف قوية دفاعا عن حرية الصحافة وأن يقاوموا الدول الأعضاء التي تسعى إلى منع هذه المؤسسات عن النهوض بهذه المسؤولية. وعليهم أيضاً أن يتصرفوا بحزم لفرض الأحكام القانونية. إن الصحفيين الذين يعملون في ظروف خطرة يشعرون بالعزلة والهجران من قبل المؤسسات الدولية التي تم تأسيسها لحماية حقوقهم. وكما يوثق هذا التقرير، فقد تم احتجاز 145 صحفي وقُتل 44 صحفيا في العالم خلال عام 2010. وكل واحدة من هذه الانتهاكات تمثل فرصة للمؤسسات الدولية كي تطالب بالعدالة.
جويل سايمون هو المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين.