باريس، 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2018: في خطوة هامة نحو المحاسبة في سوريا، أصدر قضاة فرنسيون مذكرات توقيف دولية – صدرت في 8 تشرين الأول/أكتوبر وتم الإعلان عنها اليوم – ضد ثلاثة من كبار ضباط النظام السوري؛ وهم علي مملوك، وجميل حسن، وعبد السلام محمود، بتهم التورط في جرائم ضد الإنسانية، كما ووجهت لعبد السلام محمود تهم التورط في جرائم حرب، على خلفية إختفاء وتعذيب وقتل كل من مازن وباتريك عبد القادر الدباغ، من حاملي الجنسيتين الفرنسية والسورية. وكان الأب وابنه قد تعرضا للاعتقال من قبل ضباط المخابرات الجوية السورية في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، حيث جرى احتجازهما في مطار المزة العسكري سيء السمعة. وتم رفع القضية في فرنسا في تشرين الأول/أكتوبر 2016 من قبل عبيدة الدباغ، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (LDH)، بدعم من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM). هذا وترحب منظماتنا بهذا الإعلان الذي يثبت أن كبار الضباط من مرتكبي الفظائع في سوريا لن يتمكنوا من الإفلات من المساءلة.
“بعد سنوات من اقتراف الفظائع الشنيعة في ظل إفلات كامل من العقاب، يأتي هذا التحرك من قبل القضاة الفرنسيين ليؤكد من جديد على إمكانية تحقيق العدالة أمام المحاكم الوطنية خارج سوريا، معطيا الأمل لعائلات عشرات آلاف المختفين السوريين.” قال مازن درويش، رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM).
وتستهدف مذكرات التوقيف ثلاثة ضباط في قمة هرم القيادة الأمنية للنظام السوري؛ علي مملوك، مدير مكتب الأمن الوطني وأحد مستشاري بشار الأسد المقربين، وجميل حسن، رئيس جهاز المخابرات الجوية السوري، والمطلوب في مذكرة توقيف مماثلة في ألمانيا صدرت سابقا هذا العام؛ بتهم التواطؤ في التعذيب والاختفاء القسري وجرائم ضد الإنسانية. تستهدف المذكرات أيضا عبد السلام محمود، مدير فرع التحقيق في مركز اعتقال المخابرات الجوية في مطار المزة العسكري في العاصمة السورية دمشق، حيث سُجلت أعلى معدلات الموت تحت التعذيب في سوريا بحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية، ومحمود مطلوب لارتكابه جرائم حرب ولتورطه في جرائم ضد الإنسانية، والتعذيب والاختفاء القسري.
في تشرين الأول/أكتوبر 2016، قام كل من عبيدة الدباغ، شقيق وعم الضحيتين، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، وبدعم من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، برفع دعوى أمام القضاء الفرنسي حول اعتقال واختفاء مازن وباتريك عبد القادر الدباغ منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2013 على أيدي عناصر من المخابرات الجوية السورية، حيث تم احتجاز الأب والابن في فرع المزة للتحقيق في دمشق والذي يديره عبد السلام محمود، والمعروف بأساليب التعذيب الإجرامية وأوضاع الاعتقال البائسة. في تموز/يوليو 2018، حصلت عائلة الدباغ على وثائق رسمية سورية تشير إلى وفاة كل من مازن في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وباتريك عبد القادر في كانون الأول/يناير 2014.
“هذا أول انتصار، وآمل أن تكون بداية حقبة جديدة من العدالة والمساءلة على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المرتكبة في سوريا.” قال عبيدة الدباغ، شقيق وعم الضحيتين.
على مدار الإجراءات القضائية التي شهدت تعاونا نشطا بين الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، والمركز السوري للإعلام وحرية والتعبير، الذين قدموا إحاطة شاملة واستجابوا لطلبات واستفسارات قضاة التحقيق، وقاموا لاحقا بتقديم شهود محوريين قدموا شهاداتهم حول وسائل التعذيب المميتة المستخدمة في مركز اعتقال المزة والجرائم المرتكبة من قبل عناصر المخابرات الجوية السورية.
“تُظهر مذكرات التوقيف الدولية أن جدار الإفلات من العقاب الذي يحيط بكبار المسؤولين السوريين في أعلى المستويات، يمكن هدمه. هذه خطوة غير مسبوقة نحو تحقيق العدالة لعائلة الدباغ ونحو الاعتراف – من طرف قضاة مستقلين – بالفظائع المرتكبة بحق المحتجزين لدى النظام السوري.” قال باتريك بودوان و كليمانس بيكتارت، محاميا الادعاء.
وبينما يبقى العدد الدقيق للمعتقلين في سوريا غير معلوم، تشير التقديرات إلى أن ما بين 250,000 ومليون مدني تعرضوا للاعتقال والاحتجاز من قبل القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة للنظام في عام 2011. المعتقلون محتجزون بصورة تعسفية أو غير قانونية في شبكة من مراكز الاحتجاز الرسمية والسرية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، الغالبية العظمى منهم لم يتم اتخاذ أي من الإجراءات القانونية النظامية بحقهم، ودون توفير تمثيل قانوني لهم أو لعائلاتهم. توفي العديد من المعتقلين في الاحتجاز، كما تثبت ملفات قيصر المتمثلة في عشرات آلاف الصور التي تكشف عن أكثر من 11,000 حالة موت في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام، والتي تم تسريبها خارج سوريا عام 2014 من قبل مصور الطب الشرعي السابق الذي يعمل لدى الشرطة العسكرية السورية. بينما تم إعدام الكثيرين ميدانيا.
يمكن أن يواجه المشتبه بهم الثلاثة الآن المحاكمة في فرنسا، سواء تم تنفيذ مذكرات الاعتقال أم لا.
يثبت هذا التحرك أيضاً أن ملاحقة مرتكبي الفظائع في سوريا أمام النظم القضائية الوطنية في بلدان ثالثة – من خلال ما يعرف بـ “الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية” – هي خيار حقيقي للضحايا الذين يبحثون عن العدالة المستقلة.
تدعو منظماتنا السلطات المعنية إلى تقديم الدعم الكامل لعمليات المساءلة المستقلة للجرائم المرتكبة في سوريا، بما في ذلك من خلال ضمان أن تسمح الأطر القانونية للضحايا بالوصول إلى العدالة بفعالية وأن يتمتع المحققون بموارد كافية. لأنه من دون عدالة، لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم في سوريا.