يعرب مركز البحرين لحقوق الإنسان عن قلقه جراء استمرار السلطات البحرينية في محاولاتها لتكميم الأفواه ومحاولاتها المستمرة لحجب وإخفاء الحقائق عن الرأي العام المحلي والدولي، من خلال استهداف بعض الصحفيين والكتاب، ومحاكمتهم عقابا لهم .
ففي 30 ديسمبر 2010 وبعد محاكمة استغرقت حوالي 6 أشهر أصدرت المحكمة الجنائية الكبرى حكماً بتغريم محمد السواد الصحفي بجريدة «البلاد» مبلغا وقدره 50 دينارا، بعد إدانته بتهمة نشر أخبار ومعلومات حول قضية الوزير السابق منصور بن رجب التي صدر فيها قرار بالمنع عن النشر من قبل النائب العام. واعتمدت النيابة العامة في تشكيل دعواها ضد السواد على قانون العقوبات للعام 1976م الذي يقضي بأنه : "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مائة دينار من نشر بإحدى طرق العلانية أخبارا في شأن تحقيق قائم في جريمة أو وثيقة من وثائق هذا التحقيق إذا كانت سلطة التحقيق قد قررت إجراءه في غيبة الخصوم أو كانت قد حظرت إذاعة شيء منه مراعاة للنظام العام أو للآداب أو لظهور الحقيقة ".
وبحسب الصحفي السواد:" فإن قضية الوزير السابق قد خرجت من ولاية النيابة العامة وأصبحت بولاية المحكمة، وبالتالي فإن قرار منع النشر يسقط تلقائيّاً، وإن مثل هذه القرارات تستمر لقضاء مصلحة التحقيق، ومن ثم تلغى تلقائيّاً، إذ إنه لا يوجد قرار يمنع النشر إلى ما لا نهاية". ثم أشار السواد:" بـأن الغرض من النشر إطلاع العامة على مجريات أكبر قضايا الرأي العام".
وكان محمد السواد قد تناول في صحيفة " البلاد " القريبة من رئيس الوزراء بتاريخ 1 يونيو 2010م موضوعا عن قضية وزير الدولة السابق منصور بن رجب وهي القضية التي شغلت الرأي العام المحلي والخارجي مند لحظة التحقيق مع الوزير السابق في مارس الماضي، بتهمة القيام بعمليات غسيل أموال في الداخل والخارج، وحينها تم الإيحاء للرأي العام من قبل الصحف الحكومية بأن الأموال هي أموال تابعة للحرس الثوري الإيراني ومحصلة من عمليات تهريب الأفيون ولها علاقة بحزب الله في لبنان، وأن الوزير السابق كان يحوز على صور لمواقع عسكرية كان ينوي تسليمها لإيران. وفي حين أن النيابة العامة لم تؤكد علاقة الوزير بن رجب بإيران أو حزب الله في ذلك الوقت إلا أنها لم تنفه أيضًا بل أبقته غامضا، الأمر الذي أوحى للرأي العام المحلي والدولي بصحة هذه الإدعاءات دون أن يكون ذلك ضمن ملف القضية وفقا للدفاع. وقد سارعت النيابة العامة بإصدار قرار المنع من تداول المعلومات في هذه القضية بعد أن تقدمت هيئة الدفاع عن الوزير المقال بطلب استدعاء أحد أفراد الأسرة الحاكمة وهو وزير الأمن الوطني الشيخ خليفة بن عبد الله آل خليفة. وفي حين أن ملك البلاد التقى الوزير وأسرته لاحقا مما يؤكد انتهاء القضية إلا أن الخبر الصحفي الذي نشر محليا فقط لم يشر إلى إسم الوزير ولقائه بالملك ، مما يؤكد نية السلطة ببقاء صورة الوزير على حالها دوليا ، ولكي لا تبدو كأنها قد تراجعت عن قرارها أو أخطأت في موضوع الإدانة المسبقة للوزير السابق على الصعيد المحلي والدولي.
وبرغم مرور عدة أشهر على انطواء ملف القضية دون أن يتم إحالة الوزير للمحاكمة ودون أن يتم الإعلان عن أي تطورات فيها، فقد صدر الحكم على الصحفي السواد في هذا الوقت الذي تعيش فيه البلاد أجواء قمعية مشددة على الصحافة بالتزامن مع مجريات محاكمة النشطاء المعتقلين والتي يسري عليها حظر نشر آخر، ويبدو أن صدور الحكم على السواد يقصد منه تعزيز الرقابة الذاتية من قبل الصحفيين ولتفادي تكرار خرق قرار الحظر.
وعادة ما تمنع السلطات البحرينية النشر في القضايا التي يمكن أن تسبب لها إحراج أو إرباك شعبي، مستغلة عدم استقلال القضاء البحريني. ففي أكتوبر 2006 أصدرت المحكمة الجنائية الكبرى قرارًا بمنع النشر في أكبر فضيحة هزت البلاد وتورط فيه متنفذ من أبناء الأسرة الحاكمة وهو الشيخ أحمد بن عطية الله الخليفة والذي يشغل حاليا منصب وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء، وسميت بفضيحة " البندر" نسبة إلى الشخص الذي كشف عنها وهو مستشار الحكومة السابق الدكتور صلاح البندر، وظل المنع ساريًا حتى اليوم دون أسباب منطقية تذكر.
وتعتبر هذه الممارسات انتهاك واضح لحرية الرأي والتعبير وكذلك حق الناس في الوصول إلى المعلومة الصحيحة، خصوصا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة التاسعة عشر من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن "لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
وبناء على ما سلف يطالب مركز البحرين لحقوق الإنسان السلطات البحرينية بالتالي:
1. إلغاء الحكم الصادر بحق الصحافي محمد السواد.
2. وقف الاستهداف المستمر للكتاب والصحفيين وتوفير المناخ الصحي لهم للقيام بواجبهم على أكمل وجه دون تضييق أو ترهيب.
3. ووقف استخدام السلطة القضائية كأداة للتضييق على الصحفيين وقمع حرية الرأي والتعبير ومحاصرة وسائل النشر عبر القوانين المقيدة للحريات.
4. رفع الحظر فورا عن تناول الأخبار الخاصة بمجريات القضايا المحظورة كهذه القضية وكذلك قضية الدكتور صلاح البندر باعتبار تلك القضايا هي من قضايا الرأي العام التي تهم كل مواطن.