أميركا تريد «إسقاط» الإنترنت
احتجاب «ويكيبيديا» ، ليس سوى قمّة جبل الجليد في سجال طويل حول الرقابة في الفضاء الافتراضي. قوانين منع القرصنة التي تناقش في الولايات المتحدة تهدد مستقبل الشبكة حول العالم
صحيفة "الأخبار": سناء الخوري
قريباً، قد يصير تحميل أغنية لـ«البيتلز» على فايسبوك جرماً! لماذا؟ لأنّ «مجلس الشيوخ الأميركي» سيصوّت في 24 كانون الثاني (يناير) الجاري على تشريع Protect-IP Act أو الـ PIPA. هدف المشروع في الظاهر هو حماية حقوق الملكيّة الفكريّة. لكنّ ما يستبطنه من مخاطر على حريّة التعبير، قد يؤدّي إلى نهاية عصر الإنترنت كما نعرفه اليوم. احتجاب موقع «ويكيبيديا» الناطق بالإنكليزية أمس احتجاجاً على التشريع المرتقب، ليس إلّا القمّة الظاهرة من جبل الجليد في نقاش سيطال حقّ الناشطين في الفضاء الافتراضي بتبادل المعلومات، والتعبير عن رأيهم، وبالطبع … تغيير أنظمة.
بدأ كلّ شيء في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، حين اقترح النائب الجمهوري عن تكساس لامار سميث مشروع قرار للنقاش أمام الكونغرس، صار يعرف بالـ SOPA أو «قانون وقف القرصنة على الإنترنت». التشريع المدعوم من كبريات شركات الإنتاج مثل «تايم وارنر»، و«سوني»، و«ديزني»، وEMI، وحوت الإعلام الأميركي روبرت موردوخ، يهدف إلى حماية مصالح هذه الجهات الماليّة، من خلال رفع لواء حقوق الملكيّة الفكريّة. أجّج الـ«سوبا» سجالات حادّة في أوساط مشغلي الإنترنت والأكاديميين في بلاد العمّ سام، بوصفه مسّاً صريحاً بحقوق التعبير، والحقّ في تناقل المعلومات. ردّة الفعل القاسية من قبل الناخبين، أرجأت نقاش القانون في الكونغرس إلى شباط (فبراير) المقبل، فإذا بمجموعات الضغط واللوبيات المعنيّة تعيد تحريك الـ PIPA في مجلس الشيوخ.
لكن، ما خطر هذين التشريعين لو أقرّا بالفعل؟ وما الحاجة إليهما أساساً في ظلّ توافر قوانين تكفل حقوق الملكيّة الفكريّة في الولايات المتحدة؟ على سبيل المثال، يحقّ لشركة EMI وفقاً للـ«سوبا» أن تطالب بحجب موقع يوتيوب لنشره فيديو لـ«البيتلز» … وهكذا دواليك، وصولاً إلى فايسبوك وتويتر وغوغل وأي مدوّنة «مخالفة»، أو موقع «مجرم»، تسوّل له نفسه تناقل أغانٍ أو مقاطع فيديو أو نصوص تخضع لملكيّة الشركات الكبرى! وبحسب القانون المطروح، يمكن منع الوصول إلى الموقع «المخالف»، أو محوه، من دون إذن قضائي. هذا يعني تعميم الرقابة على الطريقة الصينية في كلّ أنحاء العالم، لأنّ القانون سيطال كلّ المخالفين خارج الولايات المتحدة، وداخلها، على حدٍّ سواء.
هذا التجاوز غير المسبوق للحريّات في الفضاء الافتراضي، سبّب ذعراً في أوساط الشركات والمواقع المعنيّة مباشرةً بالرقابة المرتقبة، وخصوصاً تويتر، وغوغل، وفايسبوك. كما تلقّفت مجموعة Anomymous القضيّة، من خلال أشرطة تحذيرية، بثّتها على يوتيوب. الحملات الرافضة لإقرار التشريع، دفعت البيت الأبيض إلى إعلان رفضه الصريح له (وإن كان من باب الحسابات الانتخابيّة). كما حذر المختصّون بالشبكة العنكبوتيّة من أنّ حلّ أزمة القرصنة بقوانين مماثلة، «هي أشبه بإحراق بيت بأكمله من أجل القضاء على خليّة نمل».
القضيّة في الأساس قضيّة ماليّة، تقضّ مضاجع عمالقة الإنتاج … قطاعات التواصل البديلة على الشبكة، تسبّب خسارات ماديّة فادحة لهوليوود. لكنّ الهدف الحقيقي هو تكبيل الإنترنت، بوصفه فضاءً للثورات، ومنبراً للشعوب. من أبرز داعمي القانون مثلاً، شركتا «فيزا» و«ماستر كارد» اللتان تكبّدتا خسائر ماديّة ضخمة بسبب داعمي جوليان أسانج، العام الماضي. ومن الطبيعي أن يكون رأس القرصان الأوسترالي أوّل المطلوبين لو مرّ الـ SOPA. وبالتالي، قد يكون «ويكيليكس» أول المواقع المحجوبة عن الشبكة، إن خرجت جهة حكوميّة أو غيرها تطالب بحقوق الملكيّة للوثائق المنشورة عليه.