أثناء الكرنفال… الاستبداد مستمرّ
منذ أيام، انطلقت تظاهرة «المنامة عاصمة الثقافة العربية لعام 2012» وسط حملة ترويجيّة ضخمة. دعوات مقاطعة الحدث انتشرت عربياً بعدما رفض مثقفون كثر المشاركة في احتفاليّة تسهم في تجميل صورة السلطة وتتستّر على أحد أشد الأنظمة قمعاً في المنطقة
صحيفة “الأخبار”: مريم عبد الله
«الكلمة تساوي الموت». تصدّرت هذه الجملة نصّ التقرير الأول لـ«رابطة الصحافة البحرينية» الذي وثّق انتهاكات النظام البحريني بحقّ الصحافيين والكتّاب على خلفيّة أحداث 14 شباط (فبراير) 2011. ورغم المناخ القمعي السائد في المملكة، والاعتقالات المتواصلة للناشطين المعارضين، افتتح ولي العهد سلمان بن خليفة احتفاليّة «المنامة عاصمة الثقافة العربيّة لعام 2012» في الثاني من الشهر الجاري بعرض فنّي ضخم حمل عنوان «طريق اللؤلؤ». وكان اختيار المنامة عاصمةً للثقافة العربيّة قد أثار جملةً من التساؤلات والسجالات، إذ في وقت تعجّ فيه سجون العاصمة البحرينية بالشعراء والمثقفين، ينصّب النظام نفسه زعيماً على الثقافة العربيّة المائلة على هوى الشعوب المنتفضة. أكثر من تسعين صحافياً وإعلامياً وناشطاً تعرضوا لاعتداءات، واضطر عددٌ آخر منهم لمغادرة البلاد.
وكشف تقرير «رابطة الصحافة البحرينيّة» عن تعذيب صحافيين مستقلين، واستهداف صحيفة «الوسط»، وفصل العشرات من الفنانين والكتّاب من أعمالهم بسبب دعمهم للانتفاضة الشعبيّة. وقادت وزارة الثقافة في البحرين حملةً شعواء ضدّ كلّ من شارك بالصوت أو الصورة أو الكلمة في تظاهرات دوّار اللؤلؤة. كذلك صنّفت منظّمة «مرسلون بلا حدود» المنامة من بين أخطر عشر عواصم على الصحافيين في العالم. حتّى لجنة التحقيق التي عيّنها الملك حمد بن خليفة، أقرّت بمقتل الناشر كريم فخراوي، والمدون زكريا العشيري أثناء احتجازهما. وزارة الثقافة البحرينية لعبت دوراً مكارثياً في الحملة ضدّ كلّ من شارك بالصوت والصورة في ثورة اللؤلؤ.
وسط هذا المناخ القمعي، تمّ منح النظام البحريني تكريماً ثقافياً. كيف يحتضن عاصمة الثقافة العربيّة، بعد هدمه عشرات دور العبادة والمباني التراثية التي يفوق عمرها 400 عام، واضطهاده للعديد من المثقفين وأصحاب الرأي؟ وأمام ترويج السلطة الحاكمة للتظاهرة، هدّد العديد من المثقفين العرب بمقاطعتها. وجاءت أولى دعوات المقاطعة من الأردن، حين وقّع أكثر من مئة مثقّف عريضةً تطالب جامعة الدول العربية بالتراجع عن اختيار المنامة عاصمة للثقافة هذه السنة. وكانت حركة المقاطعة هذه قد بدأت قبل الإعلان عن هذا الاختيار، إذ رفض مرسيل خليفة المشاركة في مهرجان «ربيع الثقافة» (آذار/ مارس 2011) احتجاجاً على ممارسات النظام البحريني في حقّ المتظاهرين الثائرين. وفي الجانب البحريني، تولّى الشاعر قاسم حداد منصب رئاسة لجنة الشعر التابعة للفعالية بعد اعتذار الشاعرة فوزيّة السندي. «للتو، بدأ قاسم حداد يكتب كتابه القديم (قبر قاسم)»، غرّد أحد المعلّقين على تويتر.
من جهتها، شنّت المعارضة البحرينيّة حملةً مضادة تحت شعار «المنامة عاصمة المكارثية العربيّة 2012». وعبر صفحاتها على تويتر وفايسبوك، هدّدت بنشر قوائم عار تضمّ «أسماء كل المثقفين النفعيين المشاركين في التظاهرة». هذه الحملات جعلت وزيرة الثقافة مي بنت محمد آل خليفة، تتكتّم على أسماء المشاركين في الفعاليات المزمع إقامتها، خوفاً من قيام نشطاء «14 فبراير» بمراسلتهم، لثنيهم عن المشاركة. في الخلاصة، تحوّلت البحرين خلال العام الماضي إلى منصّة ضخمة لمحاكمة الثقافة، وقمع الحريات. ويبقى السؤال: كيف لعاصمة تحوّلت إلى مكان لاستعداء الإنسان أن تكون عاصمة للثقافة؟