بقلم مي اليان
عبد الحكيم هلال، صحفي يمني، يشغل منصب مدير تحرير صحيفة "المصدر" المستقلة في صنعاء، اليمن. وهو أيضاً من خريجي دورات التدريب الصحفي عبر الإنترنت المتخصصة في "بناء المواقع الإخبارية" والمنظمّة من قبل المركز الدولي للصحفيين. طرحنا عليه أسئلة حول يومياته ويوميات الزملاء الصحفيين في اليمن، فأرسل لنا إجابات تعكس أجواء ما يجري.
IJNet.ar : بداية، كيف هي أحوال الصحافيين في اليمن؟
هلال: منذ انطلاق الاحتجاجات الأخيرة في 13 شباط/ فبراير الماضي في اليمن، والتي أخذت وتيرتها بالتصاعد تدريجياً، تعرّض صحفيون إلى مضايقات تراوحت بين الضرب والاعتقال والتهديد إلى تكسير آلات التصوير ومصادرة بعضها وسحب الأفلام التسجيلية منها، إضافة إلى منع الصحفيين من الوصول إلى مقر الاحتجاجات لتغطيتها في معظم الأحيان.
تعرض زهاء 10 صحفيين، يعمل معظمهم كمراسلين ومصورين لوكالات أنباء ووسائل إعلامية خارجية في العاصمة صنعاء، للضرب من قبل من يعرفون باسم "بلطجية النظام"، خلال الأسبوع الأول. وهؤلاء هم مجموعة من العسكر بلباس مدني مزوّدين بالهراوات والعصي، مكلّفين من قبل النظام بالاعتداء على الصحفيين، على غرار ما حدث مع الزميل عبد الله غراب – مراسل قناة "بي بي سي" الناطقة باللغة العربية، في 14 شباط/ فبراير2011.
كما قامت السلطات اليمنية بحجب موقع "المصدر أونلاين" في اليوم نفسه (26 شباط/ فبراير)، عن متصفحيه في اليمن، بسبب تغطيته المتواصلة والمكثفة للأحداث.
IJNet.ar : ماذا عن آخر التطورات؟
هلال: ارتفع عدد الصحفيين المعتدى عليهم إلى نحو 20 صحفياً حتى اليوم (3 آذار/ مارس)، معظمهم في العاصمة صنعاء. وكان صحفيون أجانب قد طوردوا من قبل "بلطجية النظام" يوم الجمعة 18 شباط/ فبراير الفائت حين حوصروا ولفترة طويلة داخل مكان ضيق في إحدى الشوارع الضيقة المجاورة لموقع الاحتجاجات، بغية منعهم من تغطية الأحداث. هذه الحادثة دفعت بنقابة الصحفيين اليمنيين إلى إصدار بيان استنكرت فيه ما حدث.
في اليوم التالي، السبت 19 شباط/ فبراير، أصدر رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح توجيهات تقضي بتوفير الحماية اللازمة للصحافيين، كي يتمكنوا من القيام بعملهم وتأدية رسالتهم الإعلامية. ونتج عن هذا التوجيه انخفاض في نسبة الاعتداءات على الصحافيين، بيد أن عمليات القمع هذه لم تنته بشكل كلّي، إذ سجّلت حالات اعتداء في ما بعد.
كما تعرّض مراسلو مكتب "الجزيرة" في صنعاء إلى مضايقات عديدة مثل منع وصولهم إلى أماكن الاحتجاجات وتلقيهم تهديدات عبر التلفون. وفي 26 شباط/ فبراير 2011، منع اثنان من مراسلي القناة الموفدين إلى اليمن لتغطية الأحداث في صنعاء، من العمل. وطلبت الوزارة من الزميلين عبد الحق صداح وأحمد زيدان الكف عن العمل في اليمن ومغادرة البلاد فوراً.
ان وتيرة الاعتداءات على الصحافيين انخفضت خلال الأسبوع الأخير من شباط/ فبراير، ومطلع آذار/ مارس. ويعتقد كثير من الزملاء إن الاعتداءات التي تعرض لها الصحافيون خلال الأسبوعين الأولين من الأحداث هدفت إلى تخويفهم و ترويعهم كي يمارسوا رقابة ذاتية على أنفسهم. هذا الأمر لوحظ في الآونة الأخيرة، لأن نسبة التغطية الخارجية للأحداث انخفضت بشكل لافت مع تزايد حرص معظم هذه المؤسسات على تجنب إثارة السلطات اليمنية.
بين الصحافة والسياسة
IJNet.ar: هل ثمة صحفيون معتقلون في اليمن؟ وهل تعتبر أن الصحفية كرمان توكّل التي اعتقلت ثم افرج عنها ناشطة سياسية أم صحفية؟ وما رأيك بخلط الصحفي بين العمل السياسي ومهنته؟
هلال: كلا، ما من صحفي معتقل من قبل السلطات اليمنية اليوم. عموماً، لم يُعتقل صحفيون منذ انطلاق الاحتجاجات في اليمن حتى اليوم، باستثناء اعتقال بعض الصحافيين لساعات ثم يطلق سراحهم.
أما بالنسبة إلى الصحفية توكّل كرمان. فقد بدأت مسيرتها كصحفية، وهي ما برحت منتسبة إلى نقابة الصحافيين. كما أسست قبل أعوام منظمة "صحافيات بلا قيود"، وتشغل فيها منصب رئيسة. وتقوم هذه المنظمة بأنشطة داعمة للصحافيات والصحافيين بشكل عام.
ومنذ عام أو يزيد، يعرّف عن توكّل كرمان بأنها ناشطة حقوقية، نتيجة إصدار بيانات وتنظيم مسيرات واعتصامات تضامنية مع معظم من يتعرضون لانتهاكات من قبل السلطات أو المسؤولين النافذين في السلطة أو من قبل المشايخ، حتى لو لم يكن هؤلاء صحافيين. فضلاً عن ذلك، توكّل كرمان كانت أولى الداعين إلى تنظيم احتجاجات لإسقاط النظام، عقب سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. وهي استمرّت بقيادة الاحتجاجات بشكل متقطع إلى أن تمّ اعتقالها عند منتصف ليلة السبت/ الأحد 22 كانون الثاني/ يناير 2010، ليطلق سراحها بعد ثلاثة أيام نتيجة ضغط متواصل مارسته أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني التي نزلت إلى الشارع مطالبة بإطلاق سراحها.
IJNet.ar: كيف يمكن للصحافي أن يوفّق بين موضوعية المطلوبة في مهنته ونشاطه السياسي؟ ما رأيك بالقول إن الصحافي هو المثقف الملتزم دوماً بقضايا الناس؟
هلال: ليس من السهل أن يلتزم الصحافي بالموضوعية أمام ما يحدث من فبركات وإستهدافات مباشرة، ناهيك عن ما يحدث في البلاد من ممارسات فساد واستقطاب لعدد كبير من المثقفين والصحافيين عن طريق الإغراءات المالية والمواقع الحكومية، إضافة إلى دعم مادي كبير لوسائل إعلامية موالية.
أعتقد بأن التزام المهنية والحياد، لن يكونا مناسبين في ظروف مماثلة، لا سيّما أن النظام يمتلك عددا كبيراً من وسائل الإعلام، تتراوح بين قنوات فضائية، وإعلام مسموع (قرابة 10 محطات إذاعية في محافظات رئيسية)، وصحافة مطبوعة رسمية وحزبية وأهلية (أكثر من 15 مطبوعة في مختلف المحافظات)، فضلاً عن مواقع الكترونية رسمية وحزبية وخاصة (أكثر من 20 موقعاً الكترونياً). بل أكثر من ذلك، تحظى تلك الوسائل الإعلامية المتنوعة بدعم مادي كبير من قبل السلطة وحزبها الحاكم، هذا في الوقت الذي تتعرض فيه الصحافة الأهلية الداعمة لحركة المعارضة إلى تضييق واستهداف شبه متواصل، وتصارع من أجل البقاء والاستمرارية بسبب قلة الموارد المالية شبه المعدومة والمقتصرة على مردود الإعلانات أو التوزيع – بالنسبة للصحافة المكتوبة. أضف إلى ذلك، عدم السماح بفتح قنوات فضائية، أو إذاعات معارضة أو حتى أهلية.
IJNet.ar: هل تعرضت شخصياً إلى مضايقات وكيف تتعامل معها لا سيما انك رب أسرة؟
هلال : حتى الان، أحمد ربّي أنني لم أتعرض إلى أي نوع من المضايقات. لكنني كمدير تحرير لصحيفة "المصدر" الإخبارية الأسبوعية الأهلية المستقلة، أبلغت من قبل مصادر موثوقة بأنني وجميع الزملاء في الصحيفة والموقع الإخباري اليومي التابع للصحيفة مراقبون، وقد جُمعت عناوين منازلنا وأرقام هواتفنا وكافة المعلومات اللازمة، من قبل جهات أمنية عليا. منعت السلطات صدور صحيفتنا قبل عام ونصف العام تقريباً، وصادرت كميات منها أثناء تغطيتها ذروة الأحداث التي اندلعت في الجنوب حينها، كما توقفت الصحيفة عن العمل قرابة ثلاثة أشهر، بسبب حكم صادر بحق رئيس التحرير يقضي بسجنه مدة عام، كما الحكم على أحد كتاب الأعمدة – يعيش في واشنطن – بالسجن لمدة عامين.
IJNet.ar: كيف تصف يومك في العمل؟
هلال: اننا نعيش في رعب وترهيب ونمارس رقابة ذاتية، لا سيما أن "المصدر" تُعد من الصحف الأكثر جرأة ونقداً لسلوك وتصرفات النظام، لا سيّما أننا نتعرّض حالياً لحوادث غايتها تخويفنا. إذ ترددت مجموعة يشبه أعضاؤها "البطلجية" من حيث الشكل والتصرف مرتين على موقع الصحيفة أخيراً، وذلك في أوقات لم نكن متواجدين في الجريدة، بغية السؤال عن إدارة التحرير، ثم رحلوا. فيما أكد أحد العاملين في الصحيفة أن سيارة تقلّ أربعة آخرين، كانت تنتظر هؤلاء في الخارج . لم نعد نعمل حتى ساعات متأخرة من الليل كما كان الأمر عليه سابقاً. وفي حال اضطررنا، فإننا نغلق أبواب المكاتب، ولا نعود إلى المنازل إلا عند الفجر. ابلغنا الأسبوع الماضي بشكل غير رسمي بأن صحيفة "المصدر" وضعت على رأس قائمة مجموعة من الصحف ستمنع طباعتها مستقبلاً. أعتقد أن هذا يتعلق بإيصال رسالة تهديد تهدف إلى فرض مزيد من الرقابة الذاتية وتخفيف حدة المواد الصحافية التي تغطي الاحتجاجات المتواصلة في البلاد.
إن يومي في العمل ليس بالجيد. أنا أعمل غالباً بعد العصر وحتى فجر اليوم التالي، بمرتب متواضع جداً (خلافاً لما يتقاضاه من يعمل لدى مؤسسات اعلامية اجنبية او وكالات). عائلتي غير مقتنعة بما أقوم به، لا سيما أنه بحكم عملي، أضطر أحياناً ألا أعود إلى المنزل إلا عند الفجر، ولا أخصّص لعائلتي سوى يوم واحد في الأسبوع في الظروف العادية، أما في الظروف الاستثنائية، كما هي الحال اليوم، فحتى هذا اليوم انتفى وجوده.
إنترنت مراقب ولكن
IJNet.ar:الى أي مدى الإنترنت مراقب؟
هلال: خدمة الإنترنت في اليمن لا تقدم إلا عبر شركة إتصالات حكومية رسمية، التي تحتكر تقديم هذه الخدمة، ولم تتح الحكومة الفرصة امام شركة أخرى لتقديم هذه الخدمة. ومعلوم هنا، أن الأمن القومي اليمني الذي يديره إبن شقيق الرئيس، عمار محمد عبد الله صالح، يمتلك السلطة العليا في توجيه أوامر تقضي بحجب المواقع، بالاستناد إلى إدارة خاصة تتابع وتراقب المواقع الالكترونية.
يتم مراقبة الفيسبوك. ومع أن الأمر من الصعب تأكيده كون الفيسبوك شبكة إجتماعية معقدة يحوي الكثير من المجموعات اليمنية، وسيكون من الصعب مراقبته بدقة، إلا أن البعض يقول أن المراقبة تتم لمعرفة ما يقوله اليمنيون، ويتم رفع تقارير يومية حول ذلك. الا أن ما هو مؤكد أن ثمة أشخاص مكلفين بالإشتراك في المجموعات، وبثّ الإشاعات والأخبار الملفقة إضافة إلى محاولة تخويف المتصفحين، وتأييد النظام. ويقال إن النظام وزّع حوالي 300 كمبيوتر محمول لهذا الغرض.
IJNet.ar: ماذا عن إستخدام تويتر؟
هلال: في وسعي القول إن معظم الصحفيين اليمنيين، اليوم، يستخدمون موقع "فيسبوك"، بينما قلة منهم يتعاطون مع موقع المدونات القصيرة "تويتر"، لأن الاخير ما برحت آلية استخدامه معقدة بالنسبة إليهم، وغير مغرية أو بالأحرى غير مجدية – عند الكثيرين – مقارنة بما يقدمه موقع "فيسبوك"، من خدمات يسهل التعامل معها تقنياً.
IJNet.ar: كيف تتعاملون كصحفيين يمنيين مع الرقابة التي تحدثت عنها؟
هلال: أننا نفرض رقابة ذاتية على أنفسنا بسبب ما تفرضه السلطات علينا من رقابة. إلا أننا ومع ذلك، نؤمن بأننا نقوم بواجبنا لجهة خدمة قضايا الناس، الأمر الذي يمدنا بالشجاعة اللازمة لمواصلة تحقيق رسالتنا تلك. بالنسبة إلي، فقد يتملّكني شعور بأن أمراً ما سيحدث لي بسبب عملي، إلا أن شعوراً آخر يفرض نفسه أكثر، أن ما أقوم به يجب أن ينجز بالشكل المناسب مهما كانت النتائج المترتبة عن ذلك.