مات الدكتاتور واستمرت الدكتاتورية: “هيئة تشميع الصحافة” في ليبيا
“القدس العربي”: أحمد بوقرين
عانت الصحافة في ليبيا زمن النظام السابق كثيرا، كما عانى الصحفيون الليبيون أكثر وأكثر جراء سياسة القمع، والإرهاب، والتخويف، والتهديد، والسجن، والقتل، والتي كان يعتمدها النظام بشكل ممنهج، حتى بات حال الصحفي الليبي بين قتل ينهي تأدية المهمة، أو سجن يقطع وصول الكلمة، أو ترويع تضيع معه الحقيقة.
وكذا كان المشهد الصحفي والإعلامي الليبي طيلة أربعة عقود من الضياع… واليوم، وبعد انتصار ثورة السابع عشر من فبراير وأخواتها من ثورات الربيع العربي، تنفس الإعلاميون والصحفيون المقهورون في شتى أصقاع هذه البلدان الصعداء، آملين في تغير الأوضاع بعد ثورات هزت عروش أنظمة القمع والاستبداد، سيما وأن هؤلاء الصحفيين كان لهم الدور البارز في كشف جرائم هذه الأنظمة بحق شعوبها، بل وأصابت عدواهم المحمومة والحميدة عموم الشعب، حتى أصبح كل من يحمل جوالا باستطاعته أن يكون مراسلا ومصورا من قلب الحدث، رغم افتقاره لأبجديات المهنة وأصول الحرفة، لكن يدفعه شعوره بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ودعما لدور الصحافيين المهنيين والحرفيين الذين قل عددهم وعجزوا على تغطية مساحات مترامية الأطراف…. لكن المشهد الإعلامي البائس زمن النظام المقبور على ما يبدو لم يتغير كثيرا عما نراه اليوم، وبتنا نصدق مقولة أن القذافي لم يتزحزح عن السلطة حتى زرع ستة ملايين قذافي في عقولنا، عقولا قذافية على مقاس عُمر وحجم وشكل كل فرد من أفراد مجتمعنا، فلدينا قذافي المدير، ولدينا قذافي المدرس، ولدينا قذافي المحامي، ولدينا قذافي الطبيب، ولدينا قذافي المهندس، ولدينا قذافي العامل، كما أنه لدينا قذافي الصحافي والإعلامي، فكثير من الممارسات الفاشية للنظام الآفل لا زالت موجودة رغم تغيير الأسماء وتبديل المسميات، فبعد أن تم الإعلان عن ‘هيئة دعم وتشجيع الصحافة’ استبشر كثير من الإعلاميين والصحفيين خيرا بهذه الهيئة، على أمل أن تنسيهم السنين العجاف التي عاشوها وعاشتها معهم صاحبة الجلالة*، سيما وأن من يقف على رأس هرم هذه الهيئة هو من الكتاب والصحفيين البارزين الذين طالتهم يد الحسيب ولسعتهم عصا الرقيب، وهو ممن أمضوا ردها من الزمن في غياهب سجون النظام، وهو ممن يعرف مكانة الكلمة ودور الكلمة ومدى تأثير الكلمة، وهو صاحب أول تصريح وأول لقطة تبثها قناة الجزيرة عن الثورة الليبية، لكن يبدو أن صاحبنا مصاب بعقدة العقيد وداء الوعد والوعيد، فما أن باشر رئيس هيئة ‘دعم وتشجيع الصحافة’ مهامه حتى ألقى – بطبيعة الحال في الغرف المغلقة وخلف الكواليس وفي العلن أحيانا- تهديداته يمنة ويسرة، وتوعد الصحف والقائمين عليها والعاملين فيها بالفصل والإيقاف، وبالويل والثبور وعظائم الأمور إذا ما خرجوا قيد أنملة عن أوامر فخامته وتوجيهات سعادته، كما اتبع سياسة العصا والجزرة مع بعض العاملين في الهيئة والتابعين لها ورؤوس تحرير الصحف المدعومة، وحتى بعض المقربين منه والمحسوبين عليه من رؤوسا تحرير هذه الصحف، ولعل أول أزمة للصحافة الليبية مع رئيس ‘هيئة دعم وتشجيع الصحافة’ كانت مع رئيس تحرير صحيفة ‘البلاد’، والتي انتهت بالتهديد بإيقاف الصحيفة والتعهد بحجبها ومنع الدعم عنها إذا لم يوافق رئيس تحرير ‘البلاد’ على إعادة أرباح إعلانات الصحيفة للهيئة، وكأننا ندور في حلقة مفرغة ولازلنا نعيش بعقلية النظام المقبور من الاحتكار والهيمنة على كل شيء، حتى الدريهمات المعدودة العائدة من استثمارات الصحيفة في مجال الإعلانات.
والأزمة الثانية للصحافة الليبية مع رئيس ‘هيئة دعم وتشجيع الصحافة’ هي أزمة صحيفة ‘صباح اليوم’ وبدأت هذه الأزمة عندما أصدر السيد رئيس الهيئة تعليماته لمسؤولي الطباعة برفض ومنع طباعة ‘صباح اليوم’ دون تقديم أي أسباب حقيقية وراء هذا المنع والإيقاف، اللهم إلا التحفظ على بعض الأشخاص الذين كان لهم دور بارز- حسب قوله- في صحافة النظام المقبور، ونسي صاحبنا في خضم انهماكه بمهامه كرئيس للهيئة أن أحدا من هؤلاء الذين أبدى تحفظه تجاههم لم يتحصل على جائزة بحجم جائزة ‘الفاتح’ التقديرية، والتي قَبـِل صاحبنا بها، وربما افتخر بها يوما، وبما أننا ليبيون و’زيتنا في دقيقنا’ فنحن نعرف لمن تعطى مثل هذه الجوائز ولماذا تعطى، ولعل أخيرا وليس آخرا أزمة صحيفة ‘الأحوال’ الأسبوعية والتي أعمل كمسؤول للملف السياسي بها، والتي امتنعت عن الصدور هي الأخرى بسبب الإهمال وقلة الدعم وإجبارها على تلقي والتقاط الفتات من موائد فخامات مسؤولي الهيئة… وبناء على ما تقدم من سلوكيات وممارسات عمد إلى تنفيذها وانتهاجها السيد رئيس ‘هيئة دعم وتشجيع الصحافة’ فإنه يحتم علينا كصحفيين وإعلاميين، ومن باب الزمالة في خدمة صاحبة الجلالة أن نقدم لكم اسما جديدا وهو ‘هيئة تشميع الصحافة’ بدلا عن ‘هيئة تشجيع الصحافة’ فهو على أي حال أكثر دقة وأكثر تعبيرا وأكثر لياقة بالقرارات القمعية والممارسات الفاشية التي بتنا نراها ونسمع صداها صباح مساء تصدر عن هيئتكم الموقرة…
صحافي ليبي