قالت هيومن رايتس ووتش اليوم أن القوات الكردية العراقية احتجزت آلاف العرب في “مناطق أمنية” في مناطق بشمالي العراق سيطرت عليها منذ أغسطس/آب 2014 من جماعة الدولة الإسلامية المتطرفة، والمعروفة أيضا باسم داعش. منعت القوات الكردية لأشهر العرب الذين شردهم القتال من العودة إلى ديارهم في أجزاء من محافظتي نينوى وأربيل، في حين سُمح للأكراد بالعودة إلى تلك المناطق، وحتى بالانتقال الى منازل العرب الذين لاذوا بالفرار. تم تخفيف بعض القيود في يناير/كانون الثاني 2015، بعدما تواصلت هيومن رايتس ووتش مع الحكومة الاقليمية الكردية حول هذه المسألة، ولكن آخرين بقوا.
وقال الأكراد المحليون لـ هيومن رايتس ووتش أن المواطنين العراقيين الأكراد أو قوات حكومة إقليم كردستان دمروا العشرات من منازل العرب في المناطق، التي يبدو أن حكومة إقليم كردستان تسعى لضمها إلى أراضي الحكم الذاتي الكردية. وقال السكان العرب في إحدى المناطق المطوقة أن قوات حكومة إقليم كردستان اعتقلت 70 رجلا عربيا محليا لفترات طويلة دونما توجيه للتهم.
قالت ليتا تايلر، الباحثة الأولى في برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن تطويق السكان العرب ورفض السماح لهم العودة إلى ديارهم يرمي لما هو أبعد من أن يكون استجابة أمنية معقولة لتهديد داعش. ينبغي على الولايات المتحدة والدول الأخرى العاملة على تسليح القوات الكردية العراقية أن توضح أنها لن تسمح بالتمييز تحت غطاء مكافحة الإرهاب”.
ولم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على أن القوات الكردية تفرض قيودا مماثلة على تنقلات الأكراد. فالحكومة الإقليمية حليف رئيس للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال داعش. وقدتعهدت الولايات المتحدة بتأمين 350 مليون دولار أمريكي لإنشاء ثلاثة ألوية جديدة من القوة العسكرية الكردية، البشمركة. كما تُسلّح أو تُدرّب ألمانيا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا،وجمهورية التشيك، وألبانيا قوات البشمركة أيضاً.
عبّرت هيومن رايتس ووتش عن قلقها إزاء التمييز العرقي لسلطات حكومة إقليم كردستان في ديسمبر/كانون الاول وفي رسالة في 20 يناير/كانون الثاني. في تصريح موجه لـ هيومن رايتس ووتش، نفت الحكومة الإقليمية أي تمييز عرقي، بيد أنها تعهدت بالتحقيق في مكتشفات هيومن رايتس ووتش. وفي يناير/كانون الثاني خففت قوات الجيش والمخابرات الكردية عددا من القيود.
وثقت هيومن رايتس ووتش الأعمال التمييزية الواضحة في مجتمعات في شيخان وتلكيف وبلدة الزمر، وكلها في محافظة نينوى، وقضاء مخمور في محافظة أربيل، أثناء زيارة لهذه المناطق في ديسمبر/كانون الاول ويناير/كانون الثاني. هذه المناطق جزء مما يسمى المناطق المتنازع عليها والتي يطالب بها كل من الحكومة الإقليمية والحكومة العراقية المركزية بغداد.
باستثناء قضاء شيخان، الذي تحكمه حكومة إقليم كردستان، خضعت المناطق لسلطة الحكومة العراقية المركزية حتى سيطرت داعش على أجزاء منها في منتصف 2014. هرب الكثير من سكان المناطق – المنحدرون من أصول عرقية متنوعة ويبلغ عددهم قرابة 600 ألف نسمة – قبل سيطرة داعش على المناطق. بقي الآخرون في مناطقهم لأن القتال لم يصل بلداتهم، بينما حوصر البعض، وأغلبهم من العرب السنة، أو اختاروا البقاء داخل الأراضي التي تسيطر عليها جماعة داعش.
استعادت القوات الكردية بدعم من الضربات الجوية الامريكية، عدة أحياء في أو بالقرب من المناطق من أيدي داعش بين أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول. ما تزال أجزاء أخرى من المناطق خاضعة لسيطرة داعش, ولقد استمر القتال المتقطع بين قوات داعش والبشمركة. وكانت معظم البلدات والقرى التي وجدت فيها هيومن رايتس ووتش ما يبدو أنه سلوك غير قانوني من قبل القوات الكردية، تقع مباشرة خلف أو بالقرب من خط المواجهة مع داعش.
وثّقت هيومن رايتس ووتش على نطاق واسع جرائم ضد الإنسانية والفظائع الأخرى التي ارتكبتها داعش في سوريا والعراق، فضلا عن الانتهاكات التي ترتكبها القوات السورية والعراقيةوالميليشيات المتحالفة معها.
في ديسمبر/كانون الأول شهدت هيومن رايتس ووتش إبعاد البشمركة وأعضاء من جهاز المخابرات في حكومة إقليم كردستان “الأسايش” لكل المدنيين – بما في ذلك العرب والأكراد – عن بعض أجزاء هذه المناطق التي كانت قد استولت عليها قائلين انه ما زال من الخطير للغاية إعادة توطينهم أو زيارتهم للمنطقة بسبب قرب داعش منها، والقتال الدائر، والذخائر غير المنفجرة بما في ذلك الأشراك الخداعية في المنازل. ومع ذلك فقد وجدت هيومن رايتس ووتش أن قوات البشمركة والأسايش سمحت للسكان الأكراد الذين فروا بسبب القتال بالعودة إلى المدن والقرى الأخرى في نفس هذه المناطق التي تعتبر آمنة نسبيا، في حين منعت السكان العرب النازحين من إعادة الدخول إلى هذه المناطق نفسها.
وقد أكد مسؤولون محليون في جهاز الأسايش هذا الحظر في ذلك الوقت، إذ أخبروا هيومن رايتس ووتش في نقاط التفتيش المؤدية إلى المناطق الأربع بأنه “لا يسمح للعرب بالدخول”.
في استجابتها في 5 فبراير/شباط لـ هيومن رايتس ووتش، والتي تضمنت تعليقات من وزارات الداخلية والبشمركة والآسايش قالت حكومة إقليم كردستان أن الدفاع عن حقوق الإنسان كان “أولوية رئيسة”. وأوضح البيان أن السلطات الحكومية الإقليمية قد أوعزت مرارا لقوات الأمن، بما في ذلك على الفور بعد تلقي رسالة هيومن رايتس ووتش، أن “لا أحد فوق القانون”، وأن جميع المخالفين “سيتعرضون للمساءلة.” وفي ديسمبر/كانون الاول، ومع ذلك، دافع بعض المسؤولون الأكراد في اجتماعات مع هيومن رايتس ووتش عن القيود المستثنية للسكان العرب وقالوا أن الكثير من العرب قد ساعدوا داعش على التقدم، وربما يتعاونون مرة أخرى مع المجموعة المسلحة، التي يغلب عليها العرب السنة.
يسمح القانون الدولي بالتهجير القسري للمدنيين خلال صراع مسلح فقط كإجراء مؤقت لحماية السكان المحليين أو لتلبية احتياجات عسكرية ملحة. ويحظر القانون الدولي التمييز على أساس العرق أو الجنس في جميع الأوقات، بما في ذلك في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة. وبالإضافة إلى ذلك، يحظر القانون الدولي العقاب الجماعي أو الاحتجاز على أسس تمييزية.
وقالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه على الحكومة الاقليمية الكردية رفع جميع القيود المفروضة على التنقل والتي لم يتم تبريرها بشكل واضح بضرورة عسكرية أو حماية للمدنيين، أو التي فرضت على أساس العرق، والتحقيق فورا بالاعتداء المزعوم على الأسرى. وينبغي على السلطات الكردية أيضا متابعة التزامها بإجراء تحقيق سريع ونزيه وشفاف في كل السلوكيات الأخرى التي يحتمل أن تكون غير قانونية في المناطق التي تسيطر عليها وملاحقة أو تأديب أي مسؤول، أو قوات أو أفراد مسؤولين وبالشكل المناسب.
يجب على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تمديد ولاية التحقيق لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بحق الانتهاكات التي ترتكبها داعش، وتوسيع نطاقها ليشمل انتهاكات خطيرة من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك الجيش العراقي والميليشيات الشيعية الحليفة، وكذلك كل ما يُرتكب على يد قوات الجيش والأمن الكردية. ينبغي على الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، والبلدان الأخرى التي تقدم المساعدة الأمنية للقوات الكردية العراقية أن توضح أن التمييز العرقي من قبل الحكومة الإقليمية أو قواتها أمر غير مقبول وعليها تقديم الدعم الفني والمالي لإجراء التحقيق. وينبغي على جميع الدول التي تقدم المساعدة الامنية للقوات الكردية العراقية أن توضح أن حكومة إقليم كردستان قد تخاطر بفقدان هذه المساعدات إذا لم تحقق في وتنهي وتعاقب السلوك التعسفي بشكل جدّي.
وقالت تايلر: “في الوقت الذي قامت به حكومة إقليم كردستان بالشيء الصحيح في البدء في تخفيف هذه القيود، عليها أن تبذل المزيد من الجهد للحد من التمييز ضد العرب. إن الفظائع التي ارتكبتها داعش، بصرف النظر عن بشاعتها، لا يمكن أن تبرر العقاب الجماعي للأحياء العربية بأكملها.”
النازحون العرب ممنوعون من العودة
فر عشرات الآلاف من العرب والأكراد والمسيحيين والإيزيديين وغيرهم من المقيمين في مناطق مخمور، والزمر، وشيخان، وتلكيف قبل أن تستولي داعش على أحيائهم في منتصف 2014. واتهم سكان وكذلك السلطات الكردية داعش بنهب وتدمير المنازل والممتلكات الأخرى في العديد من المناطق خلال استحواذها عليها.
وفقا لعشرات النازحين العرب والسكان الأكراد العائدين الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الاول ويناير/كانون الثاني بعد دحر داعش، عملت قوات البشمركة الكردية وقوات الأسايش لأشهر على منع كل العرب الذين فروا من تلك المناطق من العودة، حتى بغرض التحقق من ممتلكاتهم لفترة وجيزة، مع السماح للأكراد بالسكن مجددا في المناطق التي يعتبرونها آمنة نسبيا.
كما يرفض المسؤولون عن نقاط التفتيش التابعة للآسايش السماح للعراقيين العرب، بمن فيهم النازحون من المناطق الأربع، بالدخول إلى مناطق واسعة من كردستان العراق وغيرها مما تسيطر عليه الآن الحكومة الإقليمية، ما لم يكن لديهم كفيل كردي.
وقد وجدت هيومن رايتس ووتش العديد من النازحين العراقيين العرب الذين لم يجدوا كفيلا لدخول كردستان العراق، يعيشون في المباني الصناعية المهجورة خارج حدود كردستان العراق. لم يتلق الكثير منهم أيا من المواد الغذائية أو غيرها من المساعدات الطارئة التي تتوفر للنازحين العراقيين – الأكراد والإيزيديين والمسيحيين وكذلك العرب – الذين وصلوا إلى الملاجئ داخل كردستان العراق.
وقالت حكومة إقليم كردستان في بيانها الموجه لـ هيومن رايتس ووتش أن إجراءات التفتيش نفسها تطبق “على الجميع، بمن فيهم العرب والأكراد والتركمان، [و] المسيحيون”. ولكن في ديسمبر/كانون الأول، رأت هيومن رايتس ووتش مسؤولي جهاز المخابرات الآسايش يسمحون للأكراد العراقيين بالدخول لمناطق الحكم الذاتي الكردستاني، بينما ترفض دخول العراقيين العرب. في واقعتين حدثتا في سبتمبر/أيلول، شاهدت هيومن رايتس ووتش مسؤولين من الآسايش يدفعون العائلات العربية بدنياً بعيدا عن نقاط التفتيش المؤدية إلى أربيل-عاصمة كردستان العراق والمدينة الواقعة في كركوك والتي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان.
وقال أحد النازحين العرب من مخمور والذي كان يعيش مع 15 من أقربائه، بينهم 11 طفلا، في غرفتين ضمن مبنى غير مكتمل البناء ومعرض للرياح في إحدى المناطق الصناعية، “يستطيع الأكراد العودة إلى ديارهم أما العرب فلا. يمكن للأكراد دخول أربيل أما العرب فلا يمكنهم ذلك”. وقال، “أهذا عدل، أن تحيا عائلة كهذه بلا وقود ولا ملابس للشتاء؟ حتى لو عدنا لكسرة خبز أو شربة ماء فقط، جل ما نبتغيه لهو المنزل.” طلب الرجل عدم الإفصاح عن اسمه خوفا من انتقام السلطات الكردية.
بدأت حكومة إقليم كردستان برفع القيود المفروضة على عودة العرب الى عدة مناطق في 2015، ولكن الكثير من النازحين العرب لم يعد إلى دياره مع بداية فبراير/شباط بعد أن أخبروا هيومن رايتس ووتش إنهم يخشون الاعتقال أو المضايقات من قبل السكان الأكراد أو قوات الأمن. وقال تاجر عربي نازح من مخمور: ” لا أريد أن أضطر إلى المغادرة مع عائلتي في منتصف الليل. أود أن أعود إلى بيتي ولكن ما أرغب به فعلا هو راحة البال”.
في رد مكتوب موجه لـ هيومن رايتس ووتش، لم تعترف حكومة إقليم كردستان مباشرة بمنعها العرب من العودة إلى ديارهم، قائلة بدلا من ذلك إن المناطق المعنية “ليست آمنة. فهي ما تزال تحت تهديد الحرب مع داعش. فنحن لا نشجع المقيمين، سواء أكانوا عربا أم أكرادا على العودة “.
اقتصار تنقلات العرب على القرى والأقضية
قال السكان الاكراد والعرب المحليون لـ هيومن رايتس ووتش أن القوات الكردية سمحت للسكان العرب من المناطق الأربع من الذين لم يفروا بالبقاء في منازلهم لكنها طوقت قراهم، والتي يقطنها العرب في الغالب أو بالكامل، وحولتها إلى مناطق أمنية معينة تحت رقابة كردية. حتى أوائل 2015، لم يسمح للسكان العرب بمغادرة هذه المناطق. وفي المقابل، فإن قوات البشمركة والأسايش التي تحرس هذه القرى سمحت للسكان الأكراد بالتنقل من وإلى المناطق الأمنية باستثناء فترة حظر التجوّل ليلا، والتي تكون عادة من الثامنة مساء وحتى السادسة صباحا.
حددت هيومن رايتس ووتش 40 قرية ذات أغلبية عربية داخل المناطق التي حولتها الحكومة الإقليمية إلى مناطق أمنية وتحدثت إلى عشرات من السكان خلال زيارات لثمانية منها. يعيش ما لا يقل عن 20 ألف شخص، وغالبيتهم من العرب السنّة، في 40 قرية، وفقا للأرقام التي قدمها المسؤولون المحليون والسكان. لم تخضع معظم هذه القرى على الإطلاق لسيطرة داعش، ولكنها كانت، وفي بعض الحالات ما زالت، قريبة من خط الجبهة.
على الرغم من أن البيشمركة والأسايش بدآ بمنح العرب قدراً أكبر من حرية التنقل في العديد من المناطق الآمنة في بدايات 2015، وحتى ذلك الحين، قال سكان محليون لـ هيومن رايتس ووتش أن قوات البشمركة المحلية والأسايش سمحتا فقط لعدد قليل من السكان العرب بالمغادرة والعودة إلى قراهم لجلب الطعام والدواء وغيرهما من اللوازم، ومنحت بعض التصاريح الخاصة للمغادرة لأغراض طبية أو غيرها من حالات الطوارئ. وقال العديد من السكان العرب أن الحصول على مثل هذه التصاريح كان بمثابة الأمر المستحيل عموما ما لم يتحصل المتقدمون للحصول على التصاريح على “واسطة” – أي علاقات خاصة مع المسؤولين الحكوميين.
وقال السكان لـ هيومن رايتس ووتش أنه وفي المنطقة الأمنية في منطقة مخمور، حيث بقيت القيود مستمرة اعتبارا من مطلع فبراير/شباط، لم يكن هناك سوى مكتب واحد فقط للأسايش لاستصدار التصاريح لعشر قرى في المنطقة- وجميعها يتبع حي غوير – وينهي المكتب تعاملاته عند الساعة 2 أو 3 مساءاً. أغلق جهاز الآسايش المكتب بشكل كامل لبضعة أسابيع بعد أن قتلت داعش العشرات من مقاتلي البشمركة في محاولة غير ناجحة لاستعادة بلدة غوير القريبة في أوائل يناير/كانون الثاني, وقال السكان أن هذا تركهم مؤقتا بلا مركز لاستصدار تصاريح الطوارئ.
وفقا لعدد من سكان قرية أخرى في المنطقة المطوقة في مخمور، وضعت امرأة عربية توأماً على قارعة الطريق أثناء تقدم داعش في أغسطس/آب، عندما رفض المسؤولون الأكراد في نقطة التفتيش السماح لها بمغادرة منطقة أمنية للوصول إلى مستشفى في أربيل. وقالوا أن أحد الطفلين وُلد ميتاً. وأكدت أسرة المرأة الحادث لكنها رفضت طلبا لإجراء المقابلة.
وقالت قوات الأسايش في بيانها الموجه إلى هيومن رايتس ووتش انها على “دراية” بالقضية. ففي ذلك اليوم، “حاول مئات الآلاف من الأشخاص الدخول إلى كردستان” وأن “العدد الكبير من الأشخاص عند نقاط التفتيش أدى إلى وضع صعب للغاية”، وفقا للبيان. “وضعت حكومة إقليم كردستان سيارات الإسعاف والفرق الطبية على نقاط التفتيش، ولم تتمكن المرأة من الوصول إليها.” لكن البيان لم يؤكد أو ينفي منع قوات الأسايش للمرأة من مغادرة المنطقة الأمنية.
وأخبر السكان العالقون هيومن رايتس ووتش أن عددا من السكان العرب المقيمين في القرى المطوقة كان يعمل خارج المناطق الأمنية وليس لديه وسيلة للعمل أو إعالة أسره عندما كانت القيود قائمة. تتناقض تعليقاتهم مع تصريحات مسؤولي الآسايش لـ هيومن رايتس ووتش بأنه بإمكان العرب الدخول إلى كردستان العراق للعمل إذا كان مكان عملهم “معروفاً”.
وقال عبد الرحمن شاكر، 18 عاما، عربي مقيم في هويرة، وهي واحدة من 10 قرى مطوقة في منطقة مخمور، قال، “عند نقطة التفتيش يقول: ’هذا الرجل عربي، وهذا [الرجل] كردي‘”. وقال شاكر الذي تحدث باللغة الإنجليزية، إن مسؤولي نقاط التفتيش منعوه من دخول أربيل للوصول إلى عمله كعامل نظافة في شركة النفط. “إذا كان كردياً، فما من مشكلة، سيمر[عبر نقطة التفتيش]، وإن كان عربياً، فالمشكلة كبيرة، ولن يعمل، أترى أولئك الأشخاص الواقفين هنا؟” سأل وهو يشير إلى مجموعة من القرويين العرب المتجمهرين بالقرب منه. “لا عمل لهم، وهذه مشكلة كبيرة”.
وتأوي كذلك بعض القرى العشر التي طوقتها القوات الكردية في مخمور عشرات العائلات العربية النازحة داخليا ممن فروا من أجزاء أخرى من المنطقة عندما دخلت داعش أحياءهم في أغسطس/آب. في قرية هويرة، وجدت هيومن رايتس ووتش العائلات العربية النازحة تعيش في مبانٍ غير مكتملة وغير مدفأة، وتنام على الصفائح الفلّينية فوق أرضيات متسخة. وحوت بعض الملاجئ أغطية بلاستيكية فقط لتغطي النوافذ.
“عندما تمطر السماء، يهطل الماء في الداخل” وفقا لما قاله خالد إبراهيم بشير النعيمي، الذي فر في أغسطس/آب من القتال في غوير على بعد 20 كيلومترا جنوبي مدينة هويرة، مع أسرته المكونة من سبعة أفراد.
وأخبر وجهاء القرى العربية وعشرات من العرب داخل المناطق الأمنية المطوقة، هيومن رايتس ووتش أنهم ولعدة أشهر لم يتلقوا أي مساعدات طارئة من الحكومة العراقية في بغداد أو الحكومة الكردية، أو منظمات الإغاثة. وقالوا أنه مع انعدام المساعدات الغذائية ووسائل كسب المال خارج المنطقة، فإن ما لديهم من طعام كان لا يكفيهم غالبا.
علياء سليمان علي، وهي أم لخمسة أطفال ومقيمة في الشيف شرين، إحدى القرى العربية المطوقة في منطقة شيخان الأمنية، قالت، “إننا نعيش تحت الحصار”. وقالت إن قوات الامن في حكومة إقليم كردستان سمحت في بعض الأحيان في ديسمبر/كانون الاول لاثنين من أبنائها البالغين بالمرور عبر نقطة التفتيش بقصد العمل إذا كان عمهما، الذي يحمل تصريحاً للإقامة في كردستان العراق، مرافقا لهما. وقالت، ولكن عادة، يعيدهم المسؤولون أدراجهم لأن هويتيهما الشخصيتين تبرزان أنهما مسلمان من الموصل. وقالت “عندما يتمكنوا من المغادرة يكون لدينا مصدر لما يسد رمقنا. وعندما لا يتمكنون من ذلك، لا يكون لدينا شيء”.
بحلول أوائل 2015 في الزمر، سُمح لسكان القرى العربية بالتنقل داخل القضاء، ولكن ليس إلى مناطق كردستان العراق مثل مدينة دهوك إلا إذا حصلوا على إذن خاص من السلطات الكردية المحلية، بحسب ما أخبر به مصدر غير حكومي هيومن رايتس ووتش.
في البيان المكتوب من حكومة إقليم كردستان لـ هيومن رايتس ووتش، قالت الآسايش أن لا مناطق كانت “مطوقةً تماماً” إلا أن البعض منها كان تحت “رقابة صارمة” لأنها كانت بالقرب من خط الجبهة. وقالت وزارة البشمركة أن القيود في تلك المناطق كانت ضرورية “لحماية قوات الأمن والسكان” لأن كلا من أعضاء وأنصار داعش ما زالوا يعيشون في “الكثير” من القرى وقد قاتلوا قوات البشمركة بشكل متقطع.
وقال المتحدث باسم الوزارة، هلغارد حكمت في ديسمبر/كانون الاول أن السماح للعرب بالعودة إلى الأحياء العربية-الكردية المختلطة يمكن أن يؤجج التوترات العرقية. وقال في مقابلة: “عليك أن تكون صبورا مع هذه القضية. لن يكون من السهل إقناع الأكراد الذين وقعوا ضحية، بالتتعايش” مع العرب الذين كانوا يُشتبهون في تعاونهم مع داعش.
وقالت وزارتا الداخلية والبشمركة أن السكان كانوا تحت مسؤولية الحكومة العراقية المركزية، وأنهما اشتكتا لبغداد من نقص المساعدات الإنسانية، ومن أن حكومة إقليم كردستان كانت تساعد المنطقة قدر المستطاع.
تدمير منازل العرب، وانتقال الأكراد إليها
تم تدمير عشرات المنازل العائدة للعرب في القرى والبلدات والمدن الخاضعة لسيطرة البشمركة في قضاء مخمور وبلدة الزمر. خلال زيارات لثمانية من هذه الأحياء في ديسمبر/كانون الاول، والبعض منها لم يُسكن مجددا، شاهدت هيومن رايتس ووتش المنازل التي كانت قد أُحرقت، هُدمت بالجرافات، أو هُدمت بالمتفجرات، فضلا عن غيرها التي يبدو أنها قد دُمرت من جراء القصف. كانت الجدران بالقرب من بعض المنازل التي دُمرت مكتوب عليها بالرذاذ شعارات معادية للعرب ومؤيدة للأكراد.
استمعت هيومن رايتس ووتش لروايات متضاربة عن كيفية تدمير منازل العرب في مخمور والزمر. وقالت السلطات المحلية، بالإضافة لآسايش ووزارة البشمركة أن داعش هدمت المنازل عند انساحبها أو أن المنازل تضررت خلال الاشتباكات المسلحة أو ضربات التحالف الجوية أو فخختها داعش ودُمرت عندما دخلتها قوات البشمركة أو المدنيون أو فرق نزع الألغام وقالوا أن داعش دمرت ممتلكات كردية أكثر مما دمرته من نظيرتها العربية.
ولكن هيومن رايتس ووتش استمعت أيضا لتصريحات ذات مصداقية من العديد من السكان الأكراد والعرب بأن العراقيين الأكراد من مدنيين أو عسكريين أو كليهما، دمروا ما لا يقل عن العشرات من منازل العرب الذين يشتبهون في تعاونهم مع داعش، بعد وقت قصير من انسحاب داعش.
سيطرت داعش وأخضعت المناطق الجنوبية الغربية من منطقة مخمور، بما في ذلك مدينة مخمور، لمدة 15 يوما في شهر أغسطس/آب قبل أن تدحرهم قوات البشمركة، بمساعدة من الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة.
في روالة، قرية عربية تبعد نحو 20 كيلومترا إلى الجنوب من مخمور، وجدت هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الاول أن غالبية المنازل البالغ عددها 90 قد دُمر. يبدو أن أكثرها قد أُحرق أو دُمر بالمتفجرات. في ذلك الوقت من زيارة هيومن رايتس ووتش، كانت روالة على بعد بضعة كيلومترات فقط من خط الجبهة ولم يُسمح سوى لقوات البشمركة بالدخول.
وقال قادة البشمركة في روالة أن بعض المنازل قد تعرض للضرب خلال اشتباكات بين داعش والبشمركة في أغسطس/آب ولكن داعش قد فجرت معظمها. “دمرت داعش هذه المنازل لأن معظم الناس الذين يعيشون فيها عملوا للحكومة العراقية”، وفقاً للرائد صالح حمه غريب. وقد تحدث من منزل كانت قوات البشمركة تستخدمه كقاعدة كُتبت عليه بالرذاذ عبارة “العرب جميعا إرهابيون” باللغة العربية على الجدار الخارجي.
وقال غريب أن داعش دمرت أيضا المنازل في القرى الكردية المجاورة. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من زيارة تلك القرى بسبب قربها من قوات داعش، لكن الأكراد المحليين قالوا أنهم تلقوا تقارير مماثلة. وأكد سكان محليون أن العديد من السكان العرب في روالة عملوا للحكومة المركزية في بغداد.
في قراج، وهي بلدة يقطنها كل من العرب والأكراد والتي ظلت مهجورة عندما زارت هيومن رايتس ووتش المنطقة في ديسمبر/كانون الأول، تم إضرام النار من الداخل في عشرات المنازل التي يبدو أنها تعود إلى العرب، مما يشير إلى أن النار قد أُضرمت فيها بدلا من تدميرها خلال القتال، في حين ظهرت البيوت الكردية غير ممسوسة. وقد وجدت هيومن رايتس ووتش ضررا مماثلا لعدد من المنازل العربية وكتابات موالية للأكراد على الجدران في قرية غوير، التي استوطنها الأكراد جزئيا.
في مدينة مخمور، التي استوطنها الأكراد جزئيا بحلول ديسمبر/كانون الاول في الوقت الذي كانت فيه قوات البشمركة والأسايش يمنعون العرب من العودة. وجدت هيومن رايتس ووتش ثلاثة منازل عربية دمرتها النيران بعد أن سُلبت. وكانت المنازل في حي العسكري، الحي الذي كان موطنا لمعظم العرب في المدينة، الذي كان يشكل نحو 10% من السكان المحليين قبل أن يفر ساكنوه. وقال العديد من السكان الأكراد لـ هيومن رايتس ووتش أنه وبعد تحرير البشمركة لمخمور، أحرق المدنيون الأكراد العائدون المنازل العائدة للعرب اعتقادا منهم بأن أصحابها أعضاء في جماعة داعش أو من المتعاونين الذين ساعدوا داعش في السيطرة على مدينتهم.
أكدت تعليقات من بعض السكان الأكراد استمرار التوتر. “لا أود في عودة أي عربي – لقد ساعد العرب على قتل أخي”، حسبما قال أحد السكان الذي كان أخوه ضابطاً مع البشمركة، تم تفجيره في ديسمبر/كانون الاول إبان محاولته لتطهير الحقول من العبوات الناسفة التي زرعتها داعش خلال انسحابها.
وقال قاطن كردي آخر: “تسعون في المئة من العرب يؤمنون في الإرهاب”.
وقال بعض السكان الاكراد أنهم يعتقدون أن الكثير من العرب المحليين متعاطف مع داعش أو أنهم أفراد في الجماعة لأنهم عندما هربوا من مخمور، توجهوا إلى المناطق التي تسيطر عليها داعش بدلا من التوجه نحو أربيل. لكن كثيرين من العرب والآلاف من العرب الآخرين قالوا أنهم فرّوا إلى المناطق التي تسيطر عليها داعش لأن لهم فيها أقرباء يعيشون هناك، وأنهم أُبعدوا عن نقاط التفتيش التابعة لحكومة إقليم كردستان والتي تسمح بالدخول إلى كردستان العراق.
استنكر السكان الأكراد الآخرين الهجمات على الممتلكات وقالوا أن لا صلة بين سكان المنازل الثلاثة المدمرة وداعش. وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع إثنين من العرب الذين دُمرت منازلهم. وقد نفى كلاهما علاقته بداعش ووصفا أحوالهما المعيشية باليائسة.
وزارت هيومن رايتس ووتش أحد الرجال، وهو مدرس يدعى ثائر حمدي، في كوخ مكون من غرفتين تقصف به الريح العاتية، حيث كان يعيش مع عشرات من أقارب في قرية خارج نقطة التفتيش المؤدية إلى كردستان العراق. كانت الفرشات الفلّينية هي قطع الأثاث الوحيدة، وعدد قليل من القدور والقلايات، وسخان يعمل بالكاز ينفث الأبخرة السامة دون أي شكل من الحرارة تقريبا. حمدي، الذي طلب أن يبقى مكانه سرياً لانه يخشى على سلامة عائلته، بدا هزيلا ومصدوماً:
كل مدخراتي، كل عمل حياتي صرفته على بيتي. لِمَ يلقى باللوم علينا لما حدث في مخمور؟ إن ابني لا يتكلم العربية حتى. فهو يتحدث الكردية. يغني الأغاني الكردية. درّست كمدرس في مخمور باللغة الكردية. نحن لسنا متطرفين. نحن أناس فقراء، وبسطاء يريدون العيش بسلام مع الآخرين.
الرجل الثاني، ماجد حميد، تحدث إلى هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف من قرية تحت سيطرة داعش حيث كان لديه أفراد عائلة هناك. وقال حميد أنه بدأ بالفرار من الشمال الشرقي لأربيل لكنه ذهب في الاتجاه المعاكس بعد أن أخبره عرب آخرون على الطريق بأن سلطات حكومة إقليم كردستان ترد العرب عن حدود كردستان العراق.
قال حميد: “ليس لدينا مياه ولا مصادر للطاقة. نحن نعيش في ظروف بدائية، ونطبخ على الحطب.” وحتى لو سمحت له داعش بالخروج، حسبما قال، فمع تدمير منزله في مخمور “لم يعد لدينا مكان نأوي إليه”.
سيطرت داعش على مناطق في الزمر بما في ذلك بلدة الزمر، حقل نفط قريب والقرى المحيطة بها، في أوائل أغسطس/آب. دفعت قوات البشمركة لفترة وجيزة بداعش خارج المنطقة في وقت لاحق من ذلك الشهر واستعادت المنطقة في أكتوبر/تشرين الأول بمساعدة من ضربات التحالف الجوية. وقال مسؤولون محليون لـ هيومن رايتس ووتش خلال زيارة قامت بها إلى المنطقة في ديسمبر/كانون الاول أن 500 منزل قد دُمر. في فبراير/شباط الماضي، قُطعت إمدادات الطاقة والمياه.
في البلدة التي كان سكانها من الاكراد والعرب قبل تقدم داعش، شاهدت هيومن رايتس ووتش عشرات المباني التي تحولت إلى ركام، على ما يبدو جراء الغارات الجوية والقصف. تم إحراق عدد من المنازل، أو انهارت جدرانها ونوافذها المهشمة فتشير إلى أنها تعرضت للتفجير من الداخل، سواء عن طريق داعش أو القوات الكردية أو المدنيين فهذا غير واضح. وقال سكان أكراد أن المنازل تعود للعرب.
عدة منازل أخرى عرّفها السكان على أنها تعود لعرب بقيت على حالها وكُتب عليها “محجوزة للأكراد”مع كلمة “محجوزة” باللغة العربية و”للأكراد” باللغة الكردية. كان جدار منزل آخر مكتوب عليه بالرذاذ “محجوز لآسايش” وآخر “يعود للحزب” في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي الكردي الحاكم في حكومة إقليم كردستان، التي ظهرت اختصارات اسمه على الجدران الأخرى.
وقال ثلاثة من سكان الزمر الأكراد لـ هيومن رايتس ووتش أن قوات البشمركة قد أحرقت أو فجرت المنازل بالديناميت عندما أخرجوا داعش من المدينة، في بعض الحالات كان هذا خوفا من أن تكون داعش قد فخختها أو لاشتباهها في أن أصحابها ينتمون لداعش أو يناصرونها. وقالوا أن داعش زرعت المتفجرات في كثير من البيوت الكردية في المدينة قبل انسحابها.
وقال ثلاثة أكراد آخرين، ممن فروا إلى البلدة من القرى التي ما زالت داعش تسيطر عليها، لـ هيومن رايتس ووتش أن الأكراد المحليين قد ساعدوهم على الانتقال إلى البيوت العائدة للعرب كتلك التي عليها عبارة “محجوزة للأكراد”. وقالوا أنهم كانوا يقيمون في المنازل بشكل مؤقت فقط حتى تحرر البشمركة قراهم. وقال أحد الرجال لـ هيومن رايتس ووتش أن قوات البشمركة وجدت له بيتا عائدٌ لعربي لكي يقطنه.
وقال رجل، محمود شيخو، 61 عاما:”أحضرني البشمركة إلى منزل يعود لعائلة عربية وقالوا لي، ‘بإمكانك البقاء هنا‘”.
على بُعد حوالي 20 كيلومترا إلى الشمال من البلدة، وجدت هيومن رايتس ووتش القريتين العربيتين برزان وشيخان (وينبغي عدم الخلط بينها وبين مدينة وقضاء شيخان إلى الشرق) مهجورتين ومتحولتين إلى رماد وركام. على الرغم من أن بعض الممتلكات يبدو وكأنه تضرر إبان القتال، ظهر العديد غيرها وقد أحرق أو سُطّحت جدرانه وهشمت نوافذه مما يوحي أنه انفجر بفعل الديناميت.
قال السكان والسلطات المحلية لـ هيومن رايتس ووتش أن القرية القريبة، بردية، سبق لها أن كانت قرية يقطنها مزيج من العرب والأكراد. وقد وجدت هيومن رايتس ووتش أن الأكراد فقط عادوا للاستقرار بها منذ ان طرد البشمركة داعش، وأن العديد من المنازل في الحي العربي تحمل علامات تدلل على أنها قد أُحرقت. وتقول إحدى الكتابات على الجدران “أوقاف للدولة الإسلامية” باللغة العربية، مع شطب لعبارة “الدولة الإسلامية” والاستعاضة عنها بعبارة “للأكراد”. وأشار العديد من السكان إلى أنقاض أحد المنازل وقالوا إنه هُدم بالجرافات لأنه يعود إلى أحد العرب المتعاونين مع داعش.
وقال بعض السكان الأكراد أن الأكراد المحليين دمروا منازل مملوكة للعرب في بردية وشيخان وبرزان لدى عودتهم، بينما قال آخرون إن البشمركة فعلت ذلك. أفاد برنامج التلفزيون الهولندي “Nieuwsuur” في اكتوبر/تشرين الاول إلى أن اثنين من قادة الأكراد المحليين قالا أنهما نسفا المنازل انتقاما من العرب المحليين الداعمين لداعش. وقال أحد القادة أيضا أن الميليشيات الكردية قتلت الأسرى العرب. ونفى مسؤولون أكراد هذه المزاعم.
كما هو الحال في الزمر، استحل الأكراد النازحون الذين فروا من القرى التي تسيطر عليها داعش جنوباً، المنازل العائدة للعرب من بين تلك التي ما تزال صامدة في باردية. وقال سكان محليون أن الأكراد النازحين استحلوا منازل العرب أيضا في غوير، قرية تبعد حوالي 10 كيلومترات شمالا.
عندما سألت هيومن رايتس ووتش مجموعة من الأكراد النازحين في البردية عن سبب استحلالهم لمنازل العرب، أجابت امرأة: “لأن الأكراد سوف يعودون أما العرب فلن يعودوا.”
رئيس بلدية الزمر، مزاحم سليمان، بالإضافة إلى مسؤول أمني في البلدة طلب عدم الكشف عن هويته، نفيا استهداف الأكراد المحليين أو قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان وتدمير المنازل العائدة للعرب. وقال المسؤولان أن منازل العرب والأكراد على حد سواء تعرضت في كثير من الأحيان للتدمير خلال القتال أو للتفجير على يد داعش خلال انسحاب الجماعة. وأضافا أن داعش تمكنت بمساعدة من المتعاونين من العرب السنّة المحليين، من تفخيخ العديد من المنازل الكردية، مما أسفر عن مقتل بعض المدنيين والبشمركة لدى دخولهم.
ونفى سليمان أي جهد منسق من قبل الحكومة الإقليمية الكردية لتهجير العرب مع الأكراد إذ قال: “هذه المنازل محجوزة على أساس مؤقت حتى يعود الوضع الى طبيعته. السكان، وليس السلطات، من يكتب “محجوزة” على المنازل، وفي بعض الحالات يضع الأشخاص العلامات على ممتلكاتهم.
يمكن أن يرقى تشريد السكان المدنيين، ما لم يتطلب أمن المدنيين أو الأسباب العسكرية القهرية ذلك، إلى جريمة حرب. ويمكن للسياسة الممنهجة أو واسعة النطاق من الترحيل القسري أو نقل للسكان، أن تكون جريمة ضد الإنسانية. وكذا يمكن لاضطهاد أعضاء في جماعة بسبب الدين أو العرق من خلال الأعمال التي تشمل الإبعاد القسري أو غيرها من الحرمان المتعمد والشديد من الحقوق.
كل من حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية المركزية لديه تاريخ في تشريد المجموعة العرقية المقابلة من الأراضي المتنازع عليها. قامت بغداد بحركات “التعريب” في أوقات مختلفة في الأراضي من 1930 وحتى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عام 2003، وأشهرها حملة الإبادة الجماعية لـ الأنفال من 1987-1989 ضد الأكراد، وكذلك ضد الكلدان الآشوريين المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى. وأحلّت السلطات الكردية العراقية الأكراد وشردت العرب منذ 1990، بما في ذلك في 2003.
اعتقال الرجال العرب دون تهمة
سمعت هيومن رايتس ووتش من السكان المحليين أن قوات البشمركة والاسايش اعتقلت 70 على الأقل من الرجال العرب السنّة من قرى شرايع، وعويجقة ، وأم رقيبة ، وأبو شتى والهويرة، وهي كلها في المنطقة الأمنية المطوقة في مخمور، بين أغسطس/آب 2014 ويناير/كانون الثاني 2015. وقال سكان الحي أيضا أن قوات البشمركة والاسايش اعتقلت عددا ضئيلا من الرجال العرب بالقرب من مدينة مخمور. وقال السكان أنه في نهاية يناير/كانون الثاني، كان 63 على الأقل من هؤلاء الرجال ما يزال محتجزاً بدون تهمة أو وممنوعاً من التواصل مع العائلة أو المحامي.
وقابلت هيومن رايتس ووتش اثنين من الرجال العرب، الذين قالا إنهما احتُجزا دون تهمة في مراكز احتجاز الآسايش، منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع وثمانية أسابيع على التوالي. وقال الرجل الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته أنهما اعتُقلا بسبب الاشتباه بارتباطهما بداعش ولكن لم توجه إليهما تهم رسميا ولم يُعرضا على القاضي. وقال الرجلان أنهما حصلا على وجبات منتظمة ولم يتعرضا للضرب أو التهديد.
ومع ذلك، قال الرجلان أنهما وسجناء آخرين احتُجزوا معهما لم يتمكنوا من الاتصال بمحامين أو مع أفراد أسرهم حيث تم تطويق أقاربهم داخل المناطق الأمنية. وقال رجل أنه كان من بين 55 سجينا محشورين في زنزانة واحدة مساحتها 7م في 5م. وقال أن كل ثلاثة سجناء يتقاسمون فرشة ووسادة وبطانية.
وتخشى هيومن رايتس ووتش أن السلطات الكردية قد تكون أساءت معاملة بعض المعتقلين العرب. وقال أحد المعتقلين السابقين أن اثنين من المعتقلين الآخرين أخبراه أنهما تعرضا للضرب خلال احتجاز الأسايش لهما.
في ديسمبر/كانون الاول، سمعت هيومن رايتس ووتش مسؤولا كرديا عند نقطة تفتيش خارج أربيل، يبدو من زيه العسكري أنه عضو في الأسايش، وهو يقول أن قوات حكومة إقليم كردستان تعتقل وتستجوب حوالي خمسة رجال كل ليلة في القرى المطوقة في مخمور. واضاف المسؤول “نضربهم حتى يعترفون”. ويبدو أن المسؤول لم يدرك أن ممثل هيومن رايتس ووتش كان حاضرا.
وقالت الحكومة الإقليمية في ردّها الخطي أن قوات الأمن والجيش خضعت لأوامر صارمة بألا تسيء معاملة المعتقلين وأنه سيتم التحقيق في أي سلوك غير قانوني ومحاكمة المسيء. وقال البيان أن قوات الأسايش اعتقلت 322 شخصا مشتبه بهم بتهم الإرهاب منذ يونيو/حزيران، من بينهم 239 رهن الاحتجاز في أربيل. لم تقدم حكومة إقليم كردستان عدد المعتقلين الذين لم ينقَلوا بعد إلى أربيل – الذين أشارت بعض المصادر إلى أن عددهم يقدر بالمئات.
وقال البيان أن جميع المعتقلين “في انتظار المحاكمة”، ويمكنهم التواصل مع المحامين وأفراد عائلاتهم، لكنه لم يحدد عدد الذين خضعوا للمحاكمة – حسب القانون – أو اتصل بمحام أو بأي مرحلة من الاعتقال هم. واعترف البيان أن قلة من أفراد الأسر قدموا للزيارة وأنحى باللائمة على مخاطر السفر عبر مناطق النزاع، وليس على القيود المفروضة على السفر من جانب الحكومة الإقليمية.
ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المعمول به في العراق، على أن أي شخص يواجه اتهامات جنائية يتمتع بالحق في “أن يتم إعلامه سريعا وبالتفصيل بلغة يفهمها، بطبيعة وسبب التهمة الموجهة إليه”، ويجب أن يخضع على وجه السرعة للمحاكمة أو ما يعادلها. يكون الحق في مراجعة قضائية قابلا للتطبيق في جميع الأوقات، بما في ذلك أثناء حالات الطوارئ.
أشرطة فيديو: الصدمة الكهربائية، والتهديد بالقتل والاغتصاب
راجعت هيومن رايتس ووتش سبعة أشرطة للفيديو منشورة على شبكة الإنترنت من يونيو/حزيران الى ديسمبر/كانون الاول يبدو أنها تُظهر رجالا في زي البشمركة أو الأزياء الأمنية الأخرى وهم يوجهون الإساءة اللفظية أو يسيؤون جسديا معاملة الأسرى أو إحدى الجثث في إحدى الحالات، بينما تتهمهم بأنهم أعضاء في جماعة داعش. يبدو أن معظم الأسرى من العرب إذ يتحدث بعضهم العربية أو يرتدي الزي العربي التقليدي، أو يخاطبهم معتقلوهم باللغة العربية، وأحدهم كردي. في بعض أشرطة الفيديو، يهدد الرجال الذين يرتدون الزي الرسمي الأسرى بقتلهم أو اغتصابهم هم أو أقاربهم. تنتهي معظم أشرطة الفيديو فجأة في خضم إساءة.
أشرطة الفيديو تحمل عناوين مثل “سجناء داعش في أيدي قوات البشمركة الباسلة.” لم تكشف هيومن رايتس ووتش عن أي دلائل على أن أشرطة الفيديو قد تكون مفبركة فالضوضاء الخلفية، والأحاديث والإيماءات لكل ما هو مصور بدا حقيقيا، ولكنها لم تتمكن من تأكيد أن الرجال الذين يرتدون الزي العسكري كانوا بالفعل من قوات حكومة إقليم كردستان. ينبغي على سلطات حكومة إقليم كردستان التحقيق في ما إذا كانت قواتها نفذت الاعتداء اللفظي والجسدي الظاهر في شريط الفيديو، والذي يظهر أنه انتهاك للقوانين الدولية التي تحمي جميع المعتقلين من التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
في معرض رد حكومة إقليم كردستان على هيومن رايتس ووتش، قالت وزارة البشمركة أن ثمّة “فرصة” أن “بعض” أشرطة الفيديو قد تمت فبركتها من قبل داعش. لم تقل وزارة البشمركة والأسايش أنها تعتبر أيّا من أشرطة الفيديو حقيقيا، لكنها قالت أنها لو كانت كذلك، فإن أي شخص أساء معاملة المعتقلين “سيكون مسؤولا عن ذلك أمام القانون”.
في أحد أشرطة الفيديو، يصرخ أحد الأسرى معصوبي العينين من الألم حيث يقوم رجل يرتدي قميصا أخضر داكنا كذلك الذي يرتديه ضباط الآسايش بإنزال صدمة كهربائية عن طريق جهاز شبيه بجهاز الصعق الكهربائي على فخذه. ويحيط رجال يرتدون زي البشمركة بالرجل الذي ينزل العقاب بالصدمة الكهربائية. “أنت تستحق هذا،” يتجاوز رجل مسؤوله ويقول هذا للأسير بالعربية. سترة أحد الرجال الذين يرتدون الزي الرسمي وشاحنة تحمل العلم الكردي.
في الفيديو الثاني، يهدد أحد المحققين الذي يرتدي زي البشمركة بلغة عربية ركيكة بأن يقتل الأسير، ويعتدي جنسيا على والدته ويغتصب شقيقته، في حين يمسك سكينا على حلقه ويتظاهر بوكز السكين في بطنه.
في شريط الفيديو الثالث، بعنوان “قوات البشمركة تطلق النار على جثة عضو في داعش ممن قُتل على أيديهم لمضاعفة سوء جهنم عليه”، إذ يطلق رجل في زي البشمركة طلقتين من بندقية هجوم عسكرية على جثة ثقبها الرصاص لرجل ملتح يرتدي سترة دشداشة داكنة وسروالا. ويركل رجل آخر في زي البشمركة رأس الجثة. ويدعو أحد الأشخاص هذا الفعل “بشرف للأكراد” ويقول انه يريد أن يغتصب شقيقة القتيل وزوجته. إن ارتكاب “الاعتداء” على جثث قوات العدو يعد جريمة حرب.
في شريط الفيديو الرابع، يحقق رجال يرتدون زي البشمركة مع أسير جريح تتناثر دماؤه الجديدة أسفل ثوبه. ويتحدث الأسير العربية. ويقول تعليق الصورة أن الأسير هو زعيم في داعش وأنه على “بعد خطوات” من التعرض للقتل. ويبين التعليق والتحقيق أن الحادث وقع على الحدود السورية.
في شريط الفيديو الخامس، محقق، خارج صورة الكاميرا إلا من أسفل بنطاله المموه وحذائه لكنه يشير إلى نفسه كعضو من البشمركة، يستجوب أسيرين مكبلي اليدين ومعصوبي العينين على سطح لامع. يهدد المحقق باغتصاب أحد الأسيرين وينعته “بالقواد”. ويظهر هذا الأسير على الكاميرا قائلا انه من أبو جردة، إحدى قرى مخمور العشرة حيث تطوق السلطات الكردية العرب في منطقة أمنية ووفقا للسكان فقد اعتقلت السلطات الرجال العرب. أما الأسير الآخر فلديه بقع دم تبدو وكأنها جديدة على ظهره ورأسه.
في شريط الفيديو السادس، يحيط رجال يرتدون زي البشمركة بأسير في شاحنة بيك اب ويلتقطون صورا له وهم يصفونه “بالحيوان” و “القواد”، ويقولون لرجال البشمركة الآخرين بالكردية، “تعالوا والتقطوا صورة معه، أيها الرجال”. يتحدث الأسير العربية باللهجة العراقية.
شريط الفيديو السابع، يظهر أسيراً معصوب العينين يتعرض للتهديد اللفظي من قبل رجال يتحدثون الكردية في الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة. يتهم الخاطفين الأسير بأنه عضو كردي في داعش. يحمل أحد مختطفيه بندقية هجومية ويرتدي الزي المموه. بقية الرجال غير مرئيين، بيد أن عنوان الشريط يشير إليهم على أنهم من البشمركة.
احتفظت هيومن رايتس ووتش بنسخ من كل أشرطة الفيديو السبعة.
نهب منازل المسيحيين
كما تلقت هيومن رايتس ووتش شكاوى من أكثر من أربعة وعشرين نازحاً من بلدة تل اسقف المسيحية للآشوريين الكلدان بأن اعضاء من البشمركة قد نهبوا منازلهم مرارا وتكرارا منذ استعادة المدينة من داعش في 17 أغسطس/آب. وقالوا أن البشمركة والأسايش المسيطرين على المدينة تجاهلوا شكاواهم حول السرقة. “النهب” هو أخذ الملكية الخاصة بالقوة من قبل أطراف النزاع، وهو يعد جريمة حرب.
نفت وزارتا البشمركة والأسايش النهب. وقالتا في تصريحات مكتوبة أن داعش، التي احتلت تل أسقف لمدة 10 أيام، قد سرقت الممتلكات من منازل المدنيين وقد باعتها على الأرجح في مدينة الموصل التي تسيطر عليها داعش، على بعد 28 كيلومترا الى الجنوب. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد من كان مسؤولا عن عمليات السلب والنهب.
فر السكان الذين أجروا المقابلة من تل أسقف قبل أن تحتل جماعة داعش البلدة لمدة 10 أيام. كانت المدينة على بعد بضعة كيلومترات فقط من خط الجبهة عندما زارت هيومن رايتس ووتش المنطقة في ديسمبر/كانون الاول وسمحت قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان لأسباب أمنية فقط بالزيارات القصيرة للسكان. ورفض العديد من السكان الذين عادوا إمكانية أن تكون داعش هي المسؤولة عن عمليات السلب والنهب لأنه، كما قالوا، عندما زاروا المنطقة لأول مرة بعدما استعادت قوات البشمركة تل أسقف، كانت منازلهم سليمة إلى حد كبير. في المقابل، على حد قولهم، في كل مرة تقريبا كانوا يعودون منذ ذلك الحين، يجدوا العديد من المتعلقات مفقودا، بما في ذلك المواقد، والبطانيات، والوقود، والمجوهرات، وأجهزة التلفزيون، والملابس، والكابلات الكهربائية.
قال أحد السكان خلال زيارته الثانية للبيت في 28 أغسطس/آب: “انقلب المنزل رأسا على عقب. أخذوا جهاز الكمبيوتر المحمول، ومسدسي، وحطموا تمثال مريم العذراء. عندما زرته مرة أخرى في 7 سبتمبر/أيلول، وجدت أن القفل قد كُسر مرة أخرى وأن المزيد من الأشياء الثمينة قد اخفت. لقد غيرت القفل 10 مرات، وفي كل مرة أزور المنزل أجده مكسوراً مرة أخرى.”
وقال ثلاثة من السكان لـ هيومن رايتس ووتش أنهم شاهدوا البشمركة يغادرون من منازلهم في تل أسقف و أذرعهم ملآ بالممتلكات.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع معظم سكان تل أسقف في المراكز المجتمعية وغيرها من المباني حيث عثروا على مأوى في مدينة دهوك والمناطق الأخرى المجاورة.
كانت تل أسقف مهجورة عندما زارت هيومن رايتس ووتش المنطقة، إلا من قوات البشمركة والآسايش وزوج مع طفل صغير ممن كانوا يتفقدون منزلهم. مشى الزوج عبر الغرف المنهوبة وهما مصدومان. فُتحت الأدراج، وأفرغت الخزائن، وتناثرت الأطباق عبر الطاولة والأرض.
قال الزوج عن اللصوص “آخر مرة أخذوا مجوهرات زوجتي وملابسي وملابس ابنتي. والآن لم يبق لنا شيء”. وشرعت زوجته في البكاء وقالت “لقد وُلدت في هذا البيت”.
أما الزوج، الذي قال أن عائلته تتقاسم غرفة صغيرة مع ستة أسر نازحة أخرى في دهوك، فكان حريصا على عدم إلقاء اللوم على البشمركة، مشيرا الى انه لم يكن حاضرا عندما وقع النهب في المكان. لن تعرّف هيومن رايتس ووتش بالرجل لحمايته من انتقام محتمل.
واتهم العديد من السكان الآخرين البشمركة بنهب منازلهم للحد من عودة المسيحيين حتى تحاول حكومة إقليم كردستان إعادة توطين المدينة بالأكراد العراقيين. وتحدث السكان بشرط عدم الكشف عن هويتهم، معربين عن الخوف من الانتقام من البشمركة، وقالوا أنهم ينحون باللائمة على مضض على القوات الكردية.
وقال رجل مسن: “لولا البشمركة لكانت داعش ما تزال تستحل بلدتنا. لكنني رأيتهم يقتحمون منزلا ويخرجون أشياء منه بأم عيني”.
المصدر: هيومان رايتس ووتش