عامٌ على سقوط نظام الأسد: إرادة السوريين تنتصر

08/12/2025

عامٌ على سقوط نظام الأسد: إرادة السوريين تنتصر

يستعيد اليوم السوريون والسوريات لحظةً تاريخية انتزعوا فيها حقهم بالحرية والكرامة بعد أكثر من نصف قرن من الاستبداد والعنف والإفلات من العقاب. لقد مثّل هذا التحوّل لحظة أمل كبرى للسوريين والسوريات، وفرصةً لاستعادة الكرامة وبناء وطن يليق بتضحياتهم-ن. 

ويتقدّم المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بأحرّ التهنئة للشعب السوري، تقديراً لصموده ونضاله الطويل من أجل الحق في الحرية والكرامة، وإيماناً بأن ما تحقق اليوم ما كان ليكون لولا إرادة السوريين والسوريات وتضحياتهم عبر السنوات.

إن إحياء ذكرى سقوط نظام الأسد يجب أن تكون مناسبة لتعزيز الأمل وإعادة التأكيد على أن بناء سوريا يمرّ عبر ضمان حقوق جميع الضحايا بلا استثناء،  ومعالجة جميع انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرّض لها السوريون والسوريات، وفي مقدمتها الإرث الثقيل الذي خلّفه نظام الأسد، دون إغفال الانتهاكات التي ارتُكبت من باقي الأطراف. فالعدالة الانتقالية ليست خياراً سياسياً، بل هي التزام قانوني وحق أصيل للضحايا، وشروطها الواضحة في الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر وضمان عدم التكرار، هي السبيل الوحيد نحو سلام مستدام.

لقد خلّف نظام الأسد وراءه وضعاً هشاً وبلداً مُنهكاً، يعاني من مشاكل اقتصادية وتوترات اجتماعية وسياسية عميقة وانعدام ثقة متجذّر بين المكونات السورية وبين السوريين-ات ومؤسسات الدولة. وما شهدته سوريا خلال العام الماضي، من انتهاكات جسيمة وجرائم سواء في الساحل أو حماة أو السويداء وغيرها من المناطق السورية، لم يكن سوى دليلاً واضحاً على هذه الهشاشة وعلى أن تأخر مسار العدالة الانتقالية يسمح باستمرار الانتهاكات ويُبقي دوائر العنف مفتوحة. وكل يوم يتأخر فيه إطلاق مسار عدالة حقيقي يفقد السوريون-ات فرصة جديدة للانتقال نحو سلام مستدام ودولة القانون التي تمنع إعادة إنتاج الظروف التي ولدت هذه الانتهاكات.

ورغم جسامة التحديات، فإن المرحلة الحالية تتيح فرصاً حقيقية يمكن البناء عليها إذا توفرت الإرادة السياسية والالتزام القانوني. فالمجتمع المدني السوري وروابط الضحايا يمتلكون رصيداً كبيراً من الخبرة في التوثيق والعمل القانوني والمجتمعي، وهي خبرة يمكن أن تشكّل قاعدة متينة لدعم مسار عدالة انتقالية وطني يستند إلى مشاركة الضحايا ويستجيب لمطالبهم-ن وحقوقهم-ن. أيضاَ، إن إنشاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والهيئة الوطنية للمفقودين يمثّل خطوة أولية مهمة على طريق العدالة، ونتطلع إلى أن تعمل الهيئتان ضمن إطار قانوني واضح يضمن استقلالهما الوظيفي وأن تستمرا في توسيع التشاور مع الضحايا والمجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني ليكون دورهما فعّالاً لا شكلياً.

خلال العام الماضي، عزّز المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وجوده وعمله داخل سوريا عبر تنفيذ مجموعة من الأنشطة الميدانية الداعمة لمسارات العدالة الانتقالية وضمان حقوق الضحايا، من مؤتمرات حوارية وتدريبات متخصصة وتعاون مباشر مع الهيئتين الوطنيتين للعدالة الانتقالية والمفقودين، إضافة إلى استمرار عمله في توثيق الانتهاكات وتعزيز الوعي الحقوقي وبناء قنوات الاتصال بين الضحايا وهيئات العدالة. وتستند هذه الجهود إلى إيمان راسخ بأن الملكية الوطنية لمسار العدالة لا تتحقق من خلال احتكار الدولة له، بل من خلال مشاركة فعلية وواسعة لجميع أصحاب المصلحة، وفي مقدمتهم الضحايا والناجون والناجيات ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية باعتبارهم أصحاب حق وشركاء أساسيين، لا مجرد شهود أو مزودي معلومات أو أطراف استشارية. فهم يمتلكون المعرفة والخبرة والشرعية المجتمعية التي تجعل مشاركتهم-ن شرطاً جوهرياً لصياغة مستقبل عدالة يستجيب للحقوق ولا يُعيد إنتاج مظالم وانتهاكات الماضي.

وفي هذا السياق، يدعو المركز الحكومة الانتقالية إلى اتخاذ خطوات عملية واضحة لبناء ثقة مجتمعية حقيقية بالمسار الوطني للعدالة وتمكين أصحاب المصلحة من المشاركة الفعلية في تصميم وتنفيذ مسارات العدالة. وفي مقدمة هذه الإجراءات:

  • ضبط السلاح المنفلت وحصره بيد مؤسسات الدولة المخولة بذلك قانونياً
  • وقف جميع الانتهاكات الجارية باعتباره التزاماً قانونياً أساسياً 
  • توفير أسس قانونية وآليات عملية ومنهجية تضمن مشاركة الضحايا والمجتمع المدني وجميع أصحاب المصلحة في تحديد الأولويات وتصميم السياسات المتعلقة بالعدالة،
  • تمكين هيئة العدالة الانتقالية والهيئة الوطنية للمفقودين من العمل باستقلالية وشفافية وضمن إطار قانوني واضح ومنفتح على الرقابة المجتمعية
  • الشروع في إصلاحات قانونية ومؤسسية توفر ضمانات عدم التكرار وتشكل داعماً أساسياً لعمل الهيئات.

كما يدعو المركز الشركاء الدوليين إلى دعم جهود العدالة في سوريا من خلال رفع العقوبات ودعم عمل هيئة العدالة وهيئة المفقودين يما يعزّز استقلاليتهما وفعاليتهما، وعلى نحو يضمن أن يكون الدعم الدولي مُسخّراً لتعزيز المحاسبة وحماية حقوق الضحايا وتعزيز حقوق الإنسان بشكل عام في سوريا.

إن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير إذا يحتفل بانتصار إرادة الشعب السوري، يتطلع إلى معالجة ماضي الانتهاكات وفق معايير الحقيقة والعدالة والمحاسبة. فلا يمكن بناء دولة قانون دون احترام حقوق الضحايا ومحاسبة جدّية على الانتهاكات والجرائم، ولا يمكن استعادة الثقة بين السوريين-ات وبينهم-ن وبين مؤسسات الدولة ما لم تُكشَف الحقيقة كاملة وما لم تُنشأ ضمانات مؤسسية تمنع تكرار الانتهاكات.

وبإحياء ذكرى سقوط نظام الأسد، نؤكد مجدداً أن العدالة ليست خياراً سياسياً مؤجلاً، بل هي شرطٌ تأسيسي لبناء سوريا جديدة، سوريا التي تحترم حقوق مواطنيها ومواطناتها، وتضمن كرامتهم-ن، وتضع حداً نهائياً لدورات الانتهاكات والإفلات من العقاب التي عانى منها السوريون-ات طوال العقود الماضية.

08/12/2025
المركز السوري للإعلام وحرية التعبير Syrian Center for Media and Freedom of Expression
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.