حرية الرأي تبدأ من التدوين الإلكتروني: كيف يتحول الناشطون عبر المواقع إلى نجوم؟
التميز بين المجموعة ينطلق من حيثية يخلقها أحدهم
صحيفة “السفير” زينب حاوي
هم لا يملكون السلطة ولا أي حيثية في مراكز القرار، لكن تجمعهم قضايا شتى، واستطاعوا أن يخلقوا لأنفسهم مساحة خاصة خوّلتهم أن يندرجوا في «لائحة مشاهير» عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحديدا. فلا يلبث أن يضع أحدهم الستاتوس (الحالة أو الموقف) حتى تنهال التعليقات وابداء الإعجاب بمواقفه الساخرة والتهكمية من الوضعين السياسي والاجتماعي. ولا تنقص هؤلاء الشباب اللبنانيين الجرأة، لانتقاد الزعماء مثلا وتسمية الأشياء بأسمائها. وقد يذهب بعضهم الى اعتماد الوجدانيات أسلوباً للتعبير عن السياسة والناس عبر ايصال الرسائل بطريقة شعرية.
واللافت في كل هذا المشهد هو شعور أي مراقب بأن المتابعين لهؤلاء لا يقرأون دائما ما يكتبه «المشاهير» كاملاً، فبضع ثوان للدخول الى أي مقال أو رابط خبري لا يمكن أن تكون كافية لقراءته ولو عرضيا لإعطاء الرأي فيه. ويُرجع هؤلاء الناشطون هذا التصرف الى تماهي «معجبيهم» بهم وتكهنهم مسبقاً بما سينشرون.
خضر سلامة (صحافة – وعلوم اجتماعية) هو أحد هؤلاء الناشطين ممن حظي بشعبية وافرة، وهو الذي كتب على سبيل المثال على صفحته عشية مقتل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي: «بعد انتهاء القذافي- النكتة: رفيق نصر الله، ناصر قنديل، وئام وهاب.. منكمّل بلّي بقيوا»، أو يدوّن في معرض انتقاده مواقف الرؤساء الثلاثة: «ميشال سليمان عم يحكي بالدولة القوية، نبيه بري عم يحكي بالعلمانية، نجيب ميقاتي عم يحكي بالإصلاح.. أنا عم فكر أعمل محاضرة بالفيزيا النووية».
شكلت هذه المواقع الإلكترونية، إن عبر المدّونات أو من خلال «فايسبوك» و«تويتر»، ملاذاً لهذا الشاب الذي عرف بـ «الجوعان»، انطلاقاً من اسم مدونته التي رأى فيها «كسراً للجمود» الإعلامي وفرصة للترويج لإعلام المواطن كما يقول لـ«السفير». ويعتبر أن ما يساعد أكثر على إتمام هذه «المهمة» هو توافر خدمات الرابط (اللينك) بين المواقع الإلكترونية نفسها، ما يساعد أكثر على الانتشار.
ويشاطر محمود الموسوي (باكالوريوس رياضيات) سلامة فكرة «تعزيز هذه المواقع لمفهوم حرية الرأي والإعلام الحر بعيداً عن الصحف الرسمية والقنوات الحكومية». ولا يرى في الكتابة هاجساً بقدر ما هي رغبة في التعبير والتعليق على الأحداث خصوصاً مع ما تعيشه البلدان العربية في «ربيعها». فهو المدّون الدائم على صفحته الخاصة على «فايسبوك» لحكايا فلسطين والثورة بطريقة وجدانية تلاقي إعجاب الكثيرين .
أما يارا الحركة أو «جفرا» كما تلقب نفسها (ماجستير في الكيمياء الحيوية) فتوجهت الى حقل المجتمع المدني وتحديداً الى الجمعيات التي تعنى بالمرأة والطفل، وكذلك الى بعض المجموعات السياسية. فصفحتها مليئة بروابط تخص قضايا الأسرى الفلسطينين والحملات المناهضة للتطبيع مع العدو. وتقول انها اعتمدت هذه المواقع للتواصل مع الذين يتواجدون خارج لبنان كمساحة لتبادل الخبرات والآراء وتفعيل الحراك الشبابي عبر إيجاد نقاط مشتركة.
من مساحة للتعبير إلى وكالة أخبار!
ولا تقتصر نشاطات هؤلاء على التعبير، بل تتحول هذه الصفحات الى ما يشبه وكالة أخبار مصغرة تبث على مدار الساعة أخباراً وتحليلات صحافية عربية أو أجنبية، ترافقها تعليقات وردود أفعال مؤيدة أو معارضة. وهنا تلفت يارا الحركة الى أن القارئ يصبح متابعاً للحدث ومتفاعلاً معه سلباً أو ايجاباً، وهي تشعر بمسؤولية كبيرة لكونها متابعة وناقلة لهذه الأخبار.
ورغم إتاحة بعض وسائل التواصل الاجتماعي المجال لإحاطة بعض ما ينشر في الصفحة الشخصية بالسرية، لكن هؤلاء الناشطين رفعوا بشكل كلي السرية عبر ما يسمى بالخصوصية الفردية، وذلك رغبة بالوصول الى مروحة أوسع من الأصدقاء والمتابعين، لأن برأيهم كل ما يكتب ويعّبر عنه ليس موقفاً فردياً بل سيكون عاما يهدف الى إيصال موقف سياسي أو اجتماعي.
أما بخصوص أعداد المتابعين «الافتراضية» فقد تصل الى الآلاف لكل شخص منهم، لكن يبقى التأكيد من هؤلاء الناشطين أن عامل «الشعبية» انطلق من نشاط ملموس على الأرض، عزز بدوره الحضور في العالم الافتراضي.
أما الشهرة فليست هي الهاجس كما يؤكدون رغم ما يحيط بهم من اهتمام ومتابعة. فخضر يستطيع كما يقول «كبح جماح» هذا الشعور ليبقى على تواصل مع الآخرين «بلغتهم»، مع التشديد على الا يكون هذا «النضال مخصياً» وضرورة إقرانه بتحرك ميداني. كما تشير يارا الى أنها في الأصل شخص اجتماعي ولا تبحث عن شهرة، وتسعى لملاقاة أصدقائها الافتراضيين على أرض الواقع.